فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى
[ ص: 130 ] ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه أي : لا تتله ؛ حتى نتمه لك ؛ كان النبي إذا نزل عليه الوحي يقرؤه ويدئب فيه نفسه ؛ مخافة أن ينسى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل يعني : ما أمر به : ألا يأكل من الشجرة فنسي يعني : فترك ما أمر به . ولم نجد له عزما أي : صبرا .
فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى في الدنيا ، يعني : الكد فيها إن لك ألا تجوع فيها يعني : في الجنة ولا تعرى كانا كسيا الظفر وأنك لا تظمأ فيها أي : لا تعطش ولا تضحى أي : لا تصيبك شمس .
قال : يقال : ضحي الرجل يضحى ، إذا برز إلى الضحى ، وهو حر الشمس . محمد
وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يعني : جعلا يرقعانه كهيئة الثوب . وعصى آدم ربه فغوى ولم يبلغ بمعصيته الكفر ثم اجتباه ربه فتاب عليه من ذلك الذنب وهدى أي : مات على الهدى .
فمن اتبع هداي يعني : رسلي وكتبي فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ومن أعرض عن ذكري فلم يؤمن فإن له معيشة ضنكا .
يحيى : عن ، عن عبد الله بن عرادة محمد بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي سلمة بن عبد الرحمن معيشة ضنكا " يعني : عذاب [ ص: 131 ] القبر " . عن
قال : أصل محمد الضيق والشدة ، يقال : ضنك عيشه ضنكا ، وضنكا ، وقالوا : الضنك في اللغة : معيشة ضنكا أي : شديدة .
يحيى : عن أبي أمية ، عن ، عن يونس بن خباب ، عن المنهال بن عمرو ، زاذان " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة رجل من البراء بن عازب الأنصار ، فلما انتهى إلى قبره وجده لم يلحد ؛ فجلس وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير وبيده عود وهو ينكت به في الأرض ، ثم رفع رأسه فقال : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر قالها ثلاثا بحنوطه وكفنه ، فجلسوا بالمكان الذي يراهم (منه) ، فإذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماوات ، وفتحت أبواب السماء كل باب منها يعجبه أن يصعد روحه منه ، فينتهي الملك إلى ربه ، فيقول : يا رب ، [ ص: 132 ] هذا روح عبدك ، فيصلي عليه الله وملائكته ، ويقول : ارجعوا بعبدي فأروه ماذا أعددت له من الكرامة ؛ فإني عهدت إلى عبادي أني منها خلقتكم وفيها نعيدكم ، فيرد إليه روحه حين يوضع في قبره ، فإنه ليسمع قرع نعالكم حين تنصرفون عنه ، فيقال له : ما دينك ؟ ومن ربك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : الله ربي ، والإسلام ديني ، إن المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة ، وانقطاع من الدنيا أتته ملائكة وجوههم كالشمس ومحمد نبيي ، فينتهرانه انتهارا شديدا ، ثم يقال له : ما دينك ؟ ومن ربك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : الله ربي ، والإسلام ديني ومحمد نبيي . فيناديه مناد : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فيأتيه عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، فيقول : أبشر (بجنات) فيها نعيم مقيم ؛ فقد كنت سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله ، فيقول : وأنت بشرك الله بخير فمثل وجهك يبشر بالخير ، ومن أنت ؟ فيقول : أنا عملك الحسن ، ثم يفتح له باب من أبواب النار ، فيقال له : كان هذا منزلك فأبدلك الله خيرا منه ، ثم يفتح له في جانب قبره فيرى منزله في الجنة ، فينظر إلى ما أعد الله له من الكرامة فيقول : يا رب ، متى تقوم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي ؟ ! فيوسع عليه في قبره ويرقد . وأما الكافر فإذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا ، أتته ملائكة (سود الوجوه) بسرابيل من قطران ، ومقطعات من نار ، فجلسوا منه بالمكان الذي يراهم منه ، فينزع روحه كما ينتزع السفود الكثير شعبه من الصوف المبتل من عروقه [ ص: 133 ] وقلبه ، فإذا خرج روحه لعنه كل ملك بين السماء والأرض ، وكل ملك في السماوات ، وغلقت أبواب السماوات دونه ، كل باب يكره أن يصعد روحه منه ، فينتهي الملك إلى ربه فيقول : يا رب هذا روح عبدك فلان لا تقبله أرض ولا سماء فيلعنه الله وملائكته ، فيقول : ارجعوا بعبدي فأروه ماذا أعددت له من الهوان ؛ فإني عهدت إلى عبادي أني منها خلقتكم ، وفيها أعيدكم ، فترد إليه روحه حين يوضع في قبره ، وإنه ليسمع قرع نعالكم حين تنصرفون عنه ، فيقال له : ما دينك ؟ ومن ربك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : الله ربي ، والإسلام ديني ، ومحمد نبيي ، فينتهرانه انتهارا شديدا ، ثم يقال له : ما دينك ؟ ومن ربك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري فيقال له : لا دريت ، ويأتيه عمله في صورة قبيحة وريح منتنة ، فيقول : أبشر بعذاب مقيم ، فيقول : وأنت فبشرك الله بشر فمثل وجهك يبشر بالشر . ومن أنت ؟ ! فيقول : أنا عملك الخبيث ، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة ، فيقال له : كان هذا منزلك لو أطعت الله ، ثم يفتح له منزله من النار ، فينظر إلى ما أعده الله له من الهوان ، ويقيض له أصم أعمى ، في يده مرزبة لو توضع على جبل لصار رفاتا ، فيضربه ضربة فيصير رفاتا ، ثم يعاد فيضربه بين عينيه ضربة يصيح منها صيحة يسمعها من على الأرض إلا الثقلين ، وينادي مناد أن أفرشوه لوحين من النار ، فيفرش [ ص: 134 ] له لوحان من نار ، ويضيق عليه قبره ؛ حتى تختلف أضلاعه " . عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 135 ] قوله : ونحشره يوم القيامة أعمى عن حجته قال رب لم حشرتني أعمى [ ص: 136 ] عن الحجة ، في تفسير قتادة وقد كنت بصيرا عالما بحجتي في الدنيا ؟ ! وإنما علمه ذلك عند نفسه ، أنه كان يحاج في الدنيا جاحدا لما جاءه من الله .
قال الله : كذلك أتتك آياتنا في الدنيا فنسيتها أي : فتركتها لم تؤمن بها وكذلك اليوم تنسى أي : تترك في النار وكذلك نجزي من أسرف على نفسه بالشرك ولعذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا وأبقى أي : لا ينقطع أبدا .