وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب
وهل أتاك نبأ الخصم خبر الخصم أي : أنك لم تعلمه; حتى أعلمتك إذ تسوروا المحراب المسجد إلى قوله : وأناب تفسير الحسن : أن داوود جمع عباد بني إسرائيل; فقال : أيكم كان يمتنع من الشيطان يوما لو وكله الله إلى نفسه ؟ فقالوا : لا أحد إلا أنبياء الله; فكأنه عرض في الهم بشيء فبينما هو يصلي إذا بطائر حسن قد وقع على شرفة من شرف المحراب .
[ ص: 86 ] قال يحيى : سمعت بعضهم يقول : طائر جؤجؤه من ذهب ، وجناحاه ديباج ، ورأسه ياقوتة حمراء فأعجبه - وكان له بني يحبه - فلما أعجبه حسنه وقع في نفسه أن يأخذه ويعطيه ابنه . قال الحسن : فلما انصرف إليه ، فجعل يطير في شرفة إلى شرفة ولا يؤيسه; حتى ظهر فوق المحراب ، وخلف المحراب حائط تغتسل فيه النساء الحيض إذا طهرن لا يشرف على ذلك الحائض أحد إلا من صعد فوق المحراب . لا يصعده أحد من الناس قال : فصعد داوود خلف ذلك الطائر ففاجأته امرأة جاره لم يعرفها تغتسل ، فرآها فجأة ثم غض بصره عنها وأعجبته; فأتى بابها ، فسأل عنها وعن زوجها قالوا : زوجها في أجناد داوود فلم يلبث إلا يسيرا حتى بعثه عامله بريدا إلى داوود فأتى داوود بكتبه ثم انطلق إلى أهله فأخبر أن نبي الله داوود أتى بابه فسأل عنه وعن أهله ، فلم يصل الرجل إلى أهله حتى رجع إلى داوود مخافة أن يكون حدث من الله في أهله أمر فأتى داوود وقد فرغ من كتبه ، وكتب إلى عامل ذلك الجند أن يجعله على مقدمة القوم; فأراد أن يقتل الرجل شهيدا ويتزوج امرأته حلالا ، إلا أن النية كانت مدخولة ، فجعله على مقدمة القوم فقتل ذلك الرجل قال : فبينما داوود في محرابه والحرس حوله إذ تسور عليه المحراب ملكان في صورة آدميين ، ففزع منهما فقالا : لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط أي : لا تجر واهدنا أرشدنا إلى سواء الصراط أي : إلى قصد الطريق; فقال : قصا قصتكما ، فقال أحدهما : إن هذا أخي يعني : صاحبي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها أي : ضمها إلي وعزني قهرني في الخطاب في الخصومة [ ص: 87 ] قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .
قال المعنى : مضمومة إلى نعاجه; فاختصر مضمومة وإنما سميت : نعجة; لأنها رخوة ، النعج في اللغة اللين ، والنعج أيضا الفتون في العين . محمد :
وظن داوود أي : علم .
قال معنى ظن أيقن ، إلا أنه ليس بيقين عيان; فأما العيان فلا يقال فيه إلا : علم . محمد :
أنما فتناه ابتليناه فاستغفر ربه وخر راكعا أي : ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة يقيمها أو لحاجة لا بد له منها أو لطعام يتبلغ به ، [ ص: 88 ] فأتاه ملك من عند الله فقال : يا داوود ، ارفع رأسك ، فقد غفر الله لك . فعلم أن الله قد غفر له ، ثم أراد أن يعلم كيف يغفر له; فقال : أي رب ، كيف تغفر لي وقد قتلته - يعني : بالنية ؟ ! فقال : أستوهبه نفسه فيهبها لي فأغفرها لك . فقال : أي رب ، قد علمت أنك قد غفرت لي .
قال الله : فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى يعني : لقربة في المنزلة وحسن مآب مرجع يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض إلى قوله : فيضلك عن سبيل الله يعني : فيستزلك الهوى عن طاعة الله في الحكم ، وذلك من غير كفر إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب أي : تركوه ولم يؤمنوا به .