الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب  قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب  فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب  والشياطين كل بناء وغواص  وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب  وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد فتنا سليمان أي : ابتلينا وألقينا على كرسيه جسدا يعني : الشيطان الذي خلفه في ملكه; تلك الأربعين ليلة ، قال بعضهم : كان اسمه صخرا . قال سليمان عليه السلام - قال للشيطان الذي خلفه - : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك ، فلما أعطاه إياه شده في البحر ، فساح سليمان . قال الكلبي : كانت له امرأة من أكرم نسائه عليه وأحبهن إليه ، فقالت : إن بين أبي وبين رجل خصومة فزينت حجة أبيها فلما جاءا يختصمان إليه جعل يحب أن تكون الحجة لختنه ، فابتلاه الله بما كان من أمر الشيطان الذي خلفه وأذهب ملك سليمان ، وذلك [أنه] كان إذا أراد أن يدخل الخلاء فدفع الخاتم إلى امرأة من نسائه كان يثق بها فدفعه إليها يوما ثم دخل الخلاء ، فجاءها ذلك الشيطان في صورته فأخذ الخاتم منها ، فلما خرج سليمان طلب الخاتم منها فقالت : قد أعطيتكه ، وذهب الخبيث وجلس على كرسي سليمان وألقي عليه شبه سليمان وبهجته وهيئته ، فخرج سليمان فإذا هو بالشيطان على كرسيه ، فذهب في الأرض وذهب ملكه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : في تفسير الحسن : إن الشيطان قعد على كرسي سليمان - وهو سرير ملكه - لا يأكل ولا يشرب ولا يأمر ولا ينهى وأذهب الله ذلك من [ ص: 91 ] أذهان الناس; فلا يرون إلا أن سليمان في مكانه يصلي بهم ويقضي بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : وفي تفسير مجاهد : أن الشيطان منع نساء سليمان أن يقربهن .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكلبي : فلما انقضت أيام الشيطان ونزلت الرحمة من الله لسليمان عمد الشيطان إلى الخاتم; فألقاه في البحر فأخذه حوت ، وكان سليمان يؤاجر نفسه من أصحاب السفن ينقل السمك من السفن إلى البر على سمكتين كل يوم ، فأخذ في أجره يوما سمكتين فباع إحداهما ، برغيفين ، وأما الأخرى فشق بطنها وجعل يغسلها; فإذا هو بالخاتم فأخذه فعرفه الناس ، واستبشروا به وأخبرهم أنه إنما فعله به الشيطان ، فاستغفر سليمان ربه قال رب اغفر لي وهب لي ملكا الآية . فسخرنا له الريح .

                                                                                                                                                                                                                                      والشياطين وسخر له الشيطان الذي فعل به الفعل ، فأخذه سليمان فجعله في نحت من رخام ثم أطبق عليه وشد عليه بالنحاس ثم ألقاه في عرض البحر ، فمكث سليمان في ملكه راضيا مطمئنا; حتى قبضه الله إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 92 ] قوله : تجري بأمره رخاء قال الحسن : ليست بالعاصف التي تؤذيه ، ولا بالبطيئة التي تقصر به دون حاجته .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : معنى رخاء في اللغة : لينة ، ويقال : ريح رخوة ، بكسر الراء وفتحها ، والكسر أفصح .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 93 ] حيث أصاب قال قتادة : يعني : حيث أراد ، وهي بلسان هجر والشياطين كل بناء وغواص يغوصون في البحر يستخرجون له اللؤلؤ وآخرين مقرنين في الأصفاد في السلاسل ، ولم يكن يسخر منهم ويستعمل في هذه الأشياء ولا يصفد إلا الكفار; فإذا آمنوا حلهم من تلك الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب تفسير بعضهم : فامنن فأعط من شئت أو أمسك عمن شئت بغير حساب أي : فلا حساب عليك في ذلك ولا حرج وإن له عندنا لزلفى يعني : القربة في المنزلة وحسن مآب أي : وحسن مرجع; يعني الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية