الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان من قضاة الله وقدره : أن تكررت سؤالات قاضي القضاة أبي عبد الله ابن ماكولا للشيخين : أبي منصور بن يوسف ، وأبي علي بن جرادة يسألان الوالد السعيد : أن يشهد عنده لعلمه بمحبتهما له واعتقادهما بمذهبه وانضاف إلى ذلك خطاب رئيس الرؤساء نوبة بعد أخرى فأجاب إلى ذلك وشهد عنده مع كراهته للشهادة .

وكان ابن ماكولا معظما له ومبجلا ومكرما ما لم يكن يفعله لغيره .

وقد كان حضر الوالد السعيد قدس الله روحه في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة في دار الخلافة في أيام القائم بأمر الله رضوان الله عليه مع الجم الغفير والعدد الكثير من أهل العلم وكان صحبته الشيخ الزاهد أبو الحسن القزويني لفساد قول جرى من المخالفين لما شاع قراءة كتاب " إبطال التأويلات " فخرج إلى الوالد السعيد من الإمام القائم بأمر الله رضوان الله عليهم : الاعتقاد القادري في ذلك بما يعتقد الوالد السعيد .

وكان قبل ذلك قد التمس منه حمل كتاب " إبطال التأويلات " ليتأمل فأعيد إلى الوالد وشكر له تصانيفه .

وذكر بعض أصحاب الوالد السعيد : أنه كان حاضرا في ذلك اليوم قال : رأيت قارئ التوقيع الخارج من القائم بأمر الله رضوان الله عليه قائما على قدميه والموافق والمخالف بين يديه ثم أخذت في تلك الصحيفة خطوط الحاضرين من [ ص: 198 ] أهل العلم والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وجعلت كالشرط المشروط .

فأول من كتب : الشيخ الزاهد القزويني : هذا قول أهل السنة وهو اعتقادي وعليه اعتمادي ثم كتب الوالد السعيد بعده وكتب القاضي أبو الطيب الطبري وأعيان الفقهاء من بين موافق ومخالف .

فبلغني : أن أبا القاسم عبد القادر بن يوسف قال بعد خروجه عن ذلك المجلس روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة "  فلما أرادوا النهوض من ذلك المجلس : التفت ابن القزويني الزاهد إلى الوالد السعيد فقال له : كما في نفسك ؟ .

فقال له الوالد السعيد : الحمد لله على ما تفضل به من إظهار الحق .

فقال له ابن القزويني الزاهد : لا أقنع بهذا وأنا أحضر بجامع المنصور وأملي أحاديث الصفات فحضر القزويني الزاهد جمعا مترادفات بجامع المنصور وأملى أخبار الصفات ناصرا لما سطره الوالد السعيد .

ثم توفي ابن القزويني ليلة الأحد الخامس من شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وصلي عليه بين الحربية والعتابيين مما يلي الخندق وحضره عالم كثير وجرى تشغيب بين أصحابنا وبين المخالفين لنا في الفروع .

فحضر الوالد السعيد سنة خمس وأربعين في دار الخلافة مجلس أبي القاسم علي بن الحسن رئيس الرؤساء ومعه جم غفير وعدد كثير من شيوخ الفقهاء وأماثل أهل الدين والدنيا .

فقال رئيس الرؤساء في ذلك اليوم على رؤوس الأشهاد : القرآن كلام الله وأخبار الصفات تمر كما جاءت وأصلح بين الفريقين ففاز الوالد السعيد بخير الدارين إن شاء الله .

ولو تتبعنا هذه المقامات لطالت الحكايات .

التالي السابق


الخدمات العلمية