الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان من قضاء الله تعالى : أن توفي قاضي القضاة ابن ماكولا فتبين للإمام [ ص: 199 ] القائم بأمر الله احتياج الحريم إلى قاض عالم زاهد فراسل رئيس الرؤساء بالشيخ أبي منصور بن يوسف وبغيره إلى الوالد السعيد وخوطب ليلي القضاء بدار الخلافة والحريم أجمع فامتنع من ذلك  فكرر عليه السؤال فلما لم يجد بدا من ذلك اشترط عليهم شرائط .

منها : أنه لا يحضر أيام المواكب الشريفة ولا يخرج في الاستقبالات ولا يقصد دار السلطان وفي كل شهر يقصد نهر المعلى يوما وباب الأزج يوما ويستخلف من ينوب عنه في الحريم . فأجيب إلى ذلك .

وقد كان ترشح لولاية القضاء بالحريم القاضي أبو الطيب الطبري فعدل عنه إلى الوالد السعيد وقلد القضاء في الدماء والفروج والأموال ثم أضيف إلى ولايته بالحريم : قضاء حران وحلوان واستناب فيهما فأحيا الله بالوالد السعيد من صناعة القضاء ما أميت من رسومها ونشر ما طوي من أعلامها فعاد الحكم بموضعه جديدا والقضاء بتدبيره رشيدا .

وكان كما قال فيه تلميذه علي بن نصر العكبري لما ولي الوالد القضاء

رفع الله راية الإسلام حين ردت إلى الأجل الإمام     التقي النقي ذي المنطق الصا
ئب في كل حجة وكلام     خائف مشفق إذا حضر الخصما
ن يخشى من هول يوم الخصام     لم يزده القضاء فخرا ولكن
قد كسا الفخر سائر الأحكام     بك يا ابن الحسين شدت عرى الد
ـين وقامت دعائم الإسلام     رحمة من مدبر الخلق للخل
ق أظلت إذ قمت في ذا المقام     تمم الله للخليفة ما أع
طاه من نعمة مدى الأيام     فلقد قلد القضاء رفيع القد
ر ذا رأفة على الأيتام     قد حوى من رعاية الدين
ما يعصمه من مواقف الآثام [ ص: 200 ]     وصل الله ما حباه من النع
ماء بنعماه في جنان المقام

فلم يزل جاريا على سديد القضاء وإنفاذ الحكم والأوصياء إلى أن توفي .

وكان الوالد السعيد قد رد القضاء بباب الأزج إلى الجيلي وجعل صاحبه أبا علي يعقوب مشرفا عليه فلما تبين له من حال الجيلي الاختلال عزله ثم رد النظر في عقد الأنكحة والمداينات بباب الأزج إلى تلميذه أبي علي يعقوب .

واستناب أبا عبد الله بن البقال في النظر في العقار بباب الأزج .

واستناب بدار الخلافة ونهر المعلي أبا الحسن السيبي .

ولو ذهبت أشرح قضاياه السديدة : لكانت كتابا قائما بنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية