الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل من كلام أبي ذر رضي الله عنه  

قال سفيان الثوري: كان أبو ذر رضي الله عنه، يقول: إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، صوموا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير، وقال: يكفي الدعاء مع البر ما يكفي الملح من الطعام.

وروي عن عبد الله بن خراش قال: رأيت أبا ذر في ظلة له سوداء بالربذة، وتحته امرأة له سحماء وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر ، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، قال: الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر ، لو اتخذت امرأة غير هذه، قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من أن أتزوج امرأة ترفعني، فقالوا: لو اتخذت بساطا ألين من هذا، قال: اللهم غفرا خذ مما خولت ما بدا لك، وقيل له: لو اتخذت ضيعة كما اتخذ فلان [ ص: 330 ] وفلان، قال: ما أصنع بأن أكون أميرا، وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو لبن، وفي الجمعة كفان من قمح.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، "من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر"  وفي رواية أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر "أشبه الناس بعيسى نسكا وزهدا"   [ ص: 331 ] .

وقيل لعلي رضي الله عنه: حدثنا عن أبي ذر رضي الله عنه، قال علم العلم، ثم أوكى عليه رباطا شديدا.

وقال الأحنف بن قيس: كنت بالمدينة في إمارة عثمان رضي الله عنه، فإذا رجل آدم طويل، وإذا هو أبو ذر.

وعن أسماء بنت يزيد، قالت: كان أبو ذر رضي الله عنه، يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، فكان هو بيته، فاضطجع فيه.

وقال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة، من خرج من الدنيا كهيئته يوم تركته"  وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث منها بشيء غيري، وإني لأقربكم يوم القيامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 332 ] .

وعن أم ذر، قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: مالي لا أبكيك، وأنت في فلاة من الأرض ليس عندي ثوب يسعك كفنا، قال: لا تبكي، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لنفر أنا فيهم: "ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المسلمين"   .

وليس من أولئك النفر أحد إلا أهلك في قربة جماعة، وأنا الذي أموت بفلاة، فأبصري الطريق، قلت: أنى وقد ذهب الحاج، وانقطعت الطريق، قال: اذهبي فتبصري، فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأقبلوا حتى وقفوا علي، وقالوا: أما لك يا أمة الله؟ قلت: امرؤ من المسلمين تكفنونه، قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر ، قالوا: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم.

ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، فدخلوا عليه، فقال: أنشدكم أن لا يكفنني رجل كان أميرا، أو عريفا، أو بريدا، أو نقيبا، وليس أحد من القوم إلا قارف بعض ذلك، إلا فتى من الأنصار، قال: يا عم، أنا أكفنك، لم أصب مما ذكرت شيئا، أكفنك في ردائي هذا وثوبين في عيبتي من غزل أمي، فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه، منهم حجر بن عدي بن الأدبر ، ومالك بن الأشتر ، والنفر كلهم يمان
[ ص: 333 ] .

قال أهل التاريخ: توفي أبو ذر رضي الله عنه، لأربع سنين بقين من خلافة عثمان.  

وقيل: مات في سنة ثنتين وثلاثين.

التالي السابق


الخدمات العلمية