الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ووجدت بخط عسل بن ذكوان ولا إسناد لي فيه ، حكاه عن أبي [علي ] الحسن بن يحيى قال [قال علي بن المديني أخبرني المعيطي ] قال جاء الشاذكوني إلى عبدة بن سليمان ، فقال: كيف حديث بدنة ؟ يريد ندبة مولى ابن عباس رضي الله عنهما .

[ ص: 52 ]

قال علي: وحدث عبد الله بن داود يعني الخريبي بحديث فيه "لا تباع الثمرة حتى تسفح" فسألت أبا عبيدة فلم يعرفها ، فلما قدم وكيع ، حدثنا فقال: حتى تشقح ، فلقيت ابن داود فأخبرته فقال: متعت بك أنا أرجع إلى الحق كما هو عند الناس .

قلت أنا: التشقيح تلوين البسر إذا اصفر واحمر ، ويقال: شقحت النخلة تشقح تشقيحا ، وقالوا أشقح إشقاحا إذا تغير البسر للاصفرار بعد الاخضرار ، وهو أقبح ما يكون في ذلك الوقت ، ولذلك قالوا: قبيح شقيح . وقرأت على أبي بكر الأعرابي في ابنه:


أقبح به من ولد وأشقح مثل جري الكلب ، لا بل أقبح



وقد فسر هذا في الحديث المروي ، حدثنا به عبد الله بن [ ص: 53 ] حمدان المصاحفي بتستر ، حدثنا يعقوب بن إسحاق ، حدثنا عفان ، حدثنا سليم بن حيان ، عن سعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تشقح"   [قلت لجابر ما تشقح ] ؟ قال تصفر وتحمر ، ويؤكل منها .

أخبرنا أحمد بن محمد الهزاني ، حدثنا أحمد بن روح الأهوازي ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل مجزز المدلجي على رسول الله [ ص: 54 ] صلى الله عليه وسلم ، فرأى أسامة ، وزيدا عليهما قطيفة قد غطت رءوسهما وبدت أقدامهما ، فقال: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض" قالت: فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا ، قال ابن جريج هو محرز ، فقال له سفيان بل هو مجزز ، فخجل ورجع .

أخبرنا محمد بن يحيى ، حدثنا علي بن الصباح الشيرازي ، [ ص: 55 ] حدثنا أبو محلم -قال الشيخ: هو أحمد بن هشام السعدي- قال: حدثني من سمع شعبة يقول: حدثنا محمد بن المنكدر قال: أهدى سعيد بن العاص هدايا لأهل المدينة ، وقال لرسوله: لا تعتذرن إلا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقل له ما فضلت عليك واحدا في الهدية إلا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقال علي رضي عنه لما قال له الرسول ذلك: لشد ما نفست علي أمية وضايقتني ، والله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب الوذمة . قال [ ص: 56 ] فقال الأصمعي: الثراب -بالثاء المعجمة بثلاث- فقال شعبة: ما سمعت إلا التراب بالتاء ، فتحاكما إلى أبي عمرو ، فحكم كما قال شعبة: قال أبو محلم: الصواب ما قال شعبة ، وحكم به أبو عمرو .

وأخبرنا به عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، عن أبي ذكوان ، عن التوزي ، عن الأصمعي مثله ، وقال التوزي: صحف الأصمعي وأصاب شعبة ، والتراب: الكروش ، يقال: هذه كروش تربة والوذمة ذوات زوايد ، شبهت بوذام الدلو وأنشد:


قد صدرت مترعة وذامها



هذا مذهب أبي عبيد فيه . وقال أبو سعيد [ ص: 57 ] المكفوف فيما رد على أبي عبيد وقال حكاية عنه وفسر التراب الوذمة [ ص: 58 ] هي الحزة من الكروش أو الكبد ، والتربة التي قد سقطت في التراب فتتربت ، ثم قال أبو سعيد والصحيح عندنا غير ما ذكر ، وإنما سميت الكروش التربة لأنها يحمل فيها التراب من المربع ، والوذمة التي قد أخمل باطنها بخملة وهي زئبرها ، وكل كرش وذمة لأنها مخملة . فيقول: لئن وليتهم لأطهرنهم مما هم فيه من الدنس ، ولأطيبنهم بعد الخبث ، وسمعت أبا بكر بن دريد يرد هذا كله ويقول: إن قولهم التراب الوذمة [مقلوب ] خطأ ، وإن أصحاب الحديث قلبوه ، وإنما هو الوذام التربة ، [ ص: 59 ] قال: وأصله أن كل سير قددته مستطيلا فهو وذم ، وكذلك اللحم والكروش وما أشبهه . وهذا أراد .

وأخبرنا أبو عبد الله نفطويه حدثنا محمد بن يونس ، عن العتبي قال: سمعت أعرابيا يقول: اللهم لك الحمد على سكون الليل ، وحركة النهار ، وتسبيح العروق ، قال أبو عبد الله نفطويه: هكذا قال المحدث: تسبيح العروق ، وإنما هو تسبيخ العروق بالخاء المعجمة ، يعني سكونها ، أي ليس فيها ضربان يؤلم ، ويقال: "سبخوا عنكم في الظهيرة" أي سكنوا .

وحدثنا أبو جعفر بن زهير ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا [ ص: 60 ] عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها تدعو على سارق سرقها ، فقال: "لا تسبخي عنه"  قلت أنا: معناه لا تخففي عنه بدعائك عليه ، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر"  ويقال: [ ص: 61 ] سبخ الله عنك الأذى أي خففه وكشفه ، ولهذا قيل لقطع القطن إذا ندفت سبائخ . قال الأخطل:


فأرسلوهن يذرين التراب كما     يذري سبائخ قطن ندف أوتار



ووجدت هذا الحديث في كتاب عبدان القاضي في مسند عائشة رضي الله عنها رواه عن سهل بن بحر ، عن محمد بن الصباح ، عن هشيم ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبخي عنه حتى توفين أجرك يوم القيامة"  وهذا خطأ وليس بشيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية