فصل .
قال الرافضي : : [1] " الخامس : ما رواه الجمهور [2] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأمير المؤمنين [3] : أنت أخي [4] [ ص: 354 ] ووصيي ، وخليفتي من بعدي ، وقاضي ديني ، وهو نص في الباب " .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة هذا الحديث ، فإن هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها [5] ، ولا صححه [6] إمام من أئمة الحديث .
وقوله : " رواه الجمهور " : إن أراد بذلك أن علماء الحديث رووه [7] في الكتب التي يحتج بما فيها مثل كتاب [8] البخاري ، ومسلم ، ونحوهما ، وقالوا : إنه صحيح - فهذا كذب عليهم . وإن أراد بذلك أن هذا يرويه مثل أبي نعيم في " الفضائل " ، والمغازلي ، وخطيب خوارزم ، ونحوهم ، أو يروى في كتب الفضائل ، فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع ، فكيف في مسألة الإمامة ، التي قد أقمتم عليها القيامة ؟
الثاني : أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث [9] ، وقد تقدم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها [10] ، وقد صدق في ذلك ، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه ليعلم أن هذا الحديث ومثله ضعيف ، بل وكذب موضوع ، ولهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها ، وإنما يرويه من يرويه في [ ص: 355 ] الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين ، التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب مثل كثير من كتب التفسير : تفسير [11] الثعلبي ، والواحدي ، ونحوهما ، والكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث والسمين لا سيما خطيب خوارزم ، فإنه من أروى الناس للمكذوبات ، وليس هو من أهل العلم بالحديث ، ولا المغازلي [12] .
قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " لما روى هذا الحديث [13] من طريق أبي حاتم البستي ، حدثنا محمد بن سهل بن أيوب ، حدثنا عمار بن رجاء ، حدثنا عبيد الله [14] بن موسى ، حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف ، عن أنس [15] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخي ، ووزيري ، وخليفتي [16] من [17] أهلي ، وخير من أترك بعدي يقضي ديني ، وينجز موعدي علي بن أبي طالب [18] " قال : هذا حديث موضوع ، قال ابن حبان : مطر بن ميمون يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه " .
.
رواه أيضا من طريق أحمد [19] بن عدي بنحو هذا اللفظ ، ومداره على [ ص: 356 ] عبيد الله بن موسى عن مطر بن ميمون ، وكان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقا روى عنه البخاري لكنه معروف بالتشيع فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه ، كما روى عن مطر بن ميمون هذا ، وهو كذب ، وقد يكون علم أنه كذب ذلك ، وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه ، ولو بحث عنه لتبين له أنه كذب هذا مع أنه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدثون [20] : " وخليفتي من بعدي ، وإنما في تلك الطريق : " وخليفتي في أهلي " وهذا استخلاف خاص .
وأما اللفظ الآخر [21] الذي رواه ابن عدي ، فإنه قال [22] : " حدثنا ابن أبي سفيان [23] ، حدثنا عدي [24] بن سهل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا مطر [25] عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علي أخي ، وصاحبي ، وابن عمي ، وخير من أترك من بعدي [26] ، يقضي ديني ، وينجز موعدي " [27] .
ولا ريب أن مطرا هذا كذاب ، لم [28] يرو عنه أحد من علماء الكوفة [ ص: 357 ] مع روايته عن أنس فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان ، ولا وكيع ، ولا أبو معاوية ، ولا أبو نعيم ، ولا يحيى بن آدم ، ولا أمثالهم مع كثرة من بالكوفة من الشيعة ، ومع أن كثيرا من عوامها يفضل عليا على عثمان ، ويروي حديثه أهل الكتب الستة حتى الترمذي ، وابن ماجه قد يرويان عن ضعفاء ، ولم يرووا عنه ، وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى ; لأنه كان صاحب هوى متشيعا فكان لأجل هواه يروي عن هذا ، ونحوه ، وإن كانوا كذابين .
ولهذا لم يكتب أحمد عن عبيد الله بن موسى [29] ، بخلاف عبد الرزاق ، وذكر أحمد أن عبيد الله [30] كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق .
ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في " تاريخه " من حديث عبيد الله بن موسى ، عند مطر [31] ، عن أنس ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليا مقبلا فقال : " أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة " ، قال ابن الجوزي [32] : " هذا حديث موضوع ، والمتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم : يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه " .
الوجه الثالث : أن دين النبي صلى الله عليه وسلم [33] لم يقضه علي ، [ ص: 358 ] بل في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ، ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله [34] ، فهذا الدين الذي كان عليه يقضى من الرهن الذي رهنه ، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم دين آخر .
وفي الصحيح عنه أنه قال : " لا يقتسم [35] ورثتي دينارا ، ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ، ومؤنة عاملي فهو صدقة " [36] .
فلو كان عليه دين قضي مما تركه ، وكان ذلك مقدما على الصدقة ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح [37] .


