وقوله: وما كان له عليهم من سلطان يضلهم به حجة، إلا أنا سلطناه عليهم لنعلم من يؤمن بالآخرة.
فإن قال قائل: إن الله يعلم أمرهم بتسليط إبليس وبغير تسليطه. قلت: مثل هذا كثير في القرآن. قال الله ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين وهو يعلم المجاهد والصابر بغير ابتلاء، ففيه وجهان. أحدهما أن العرب تشترط للجاهل إذا كلمته بشبه هذا شرطا تسنده إلى أنفسها وهي عالمة ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم. من ذلك أن يقول القائل:
النار تحرق الحطب فيقول الجاهل: بل الحطب يحرق النار، ويقول العالم: سنأتي بحطب ونار لنعلم أيهما يأكل صاحبه فهذا وجه بين. والوجه الآخر أن تقول (لنبلونكم حتى نعلم) معناه: حتى نعلم عندكم فكأن الفعل لهم في الأصل. ومثله مما يدلك عليه قوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ ص: 361 ] عندكم يا كفرة ولم يقل: (عندكم) يعني: وليس في القرآن (عندكم) وذلك معناه. ومثله قوله ذق إنك أنت العزيز الكريم عند نفسك إذ كنت تقوله في دنياك. ومثله ما قال الله لعيسى أأنت قلت للناس وهو يعلم ما يقول وما يجيبه به فرد عليه عيسى وهو يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته. فكما صلح أن يسأل عما يعلم ويلتمس من عبده ونبيه الجواب فكذلك يشرط من فعل نفسه ما يعلم، حتى كأنه عند الجاهل لا يعلم.