الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن  يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن الذين؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأول ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك؛ لأن المعنى -والله أعلم- إنما أريد به: ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأول بلا خبر، وقصد الثاني؛ لأن فيه الخبر والمعنى. قال: وأنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      بني أسد إن ابن قيس وقتله بغير دم دار المذلة حلت



                                                                                                                                                                                                                                      فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذل. ومثله:


                                                                                                                                                                                                                                      لعلي إن مالت بي الريح ميلة     على ابن أبي ذبان أن يتندما



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 151 ] فقال: لعلي ثم قال: أن يتندما؛ لأن المعنى: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم إلا أن الهاء من قوله وصية لأزواجهم رجعت على (الذين) فكان الإعراب فيها أبين؛ لأن العائد من الذكر قد يكون خبرا كقولك: عبد الله ضربته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال: وعشرا ولم يقل: "عشرة" وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان؛ لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام. فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والذكران بالهاء كما قال الله تبارك وتعالى: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متصل بالأيام كما يتصل الخافض بما بعده غلبت الليالي أيضا على الأيام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأياما غلبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثم تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأما المختلط فقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      أقامت ثلاثا بين يوم وليلة     وكان النكير أن تضيف وتجأرا



                                                                                                                                                                                                                                      فقال: ثلاثا وفيها أيام. وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث؛ لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام. ومثل ذلك في الكلام أن تقول: [ ص: 152 ] عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر. وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسر من النوعين قبل صاحبه أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنثت؛ لأنك بدأت بالناقة فغلبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندي خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسرة غلبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة. ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلا بالتذكير؛ لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكر لهذه الهاء التي لزمت المذكر والمؤنث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله من خطبة النساء الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول] : اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أولا وآخرا، ولو أراد مرة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة كما قال المشية. وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] على قطعة لي من أرضي يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] قلت: قطعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو أكننتم للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته، قال: وأنشدوني قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      ثلاث من ثلاث قداميات     من اللاتي تكن من الصقيع



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] وبعضهم [يرويه] تكن من أكننت. وأما قوله: لؤلؤ مكنون و بيض مكنون فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولكن لا تواعدوهن سرا يقول: لا يصفن أحدكم نفسه في عدتها بالرغبة في النكاح والإكثار منه. حدثنا محمد بن الجهم قال: حدثنا الفراء قال: حدثني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: السر في هذا الموضع النكاح. وأنشد عنه بيت امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      ألا زعمت بسباسة اليوم أنني     كبرت وألا يشهد السر أمثالي



                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : ويرى أنه مما كنى الله عنه قال: أو جاء أحد منكم من الغائط .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية