الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأخبتوا إلى ربهم  

                                                                                                                                                                                                                                      معناه: تخشعوا لربهم وإلى ربهم وربما جعلت العرب (إلى) في موضع اللام. وقد قال الله عز [ ص: 10 ] وجل: بأن ربك أوحى لها وقال: الحمد لله الذي هدانا لهذا وقال: ويهديهم إليه صراطا مستقيما وقال: فأوحى إليهم ربهم وقد يجوز في العربية أن تقول: فلان يخبت إلى الله تريد: يفعل ذلك بوجهه إلى الله لأن معنى الإخبات الخشوع، فيقول: يفعله بوجهه إلى الله ولله. وجاء في التفسير: وأخبتوا فرقا من الله فمن يشاكل معنى اللام ومعنى إلى إذا أردت به لمكان هذا ومن أجل هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا رفعت الأراذل بالاتباع وقد وقع الفعل في أول الكلام على اسمه. ولا تكاد العرب تجعل المردود بإلا إلا على المبتدأ لا على راجع ذكره. وهو جائز. فمن البين الذي لا نظر فيه أن تقول: ما قام أحد إلا زيد. وإن قلت: ما أحد قام إلا زيد فرفعت زيدا بما عاد في فعل أحد فهو قليل وهو جائز. وإنما بعد على المبتدأ لأنه كناية، والكناية لا يفرق فيها بين أحد وبين عبد الله، فلما قبح أن تقول: ما قام هو إلا زيد، وحسن: ما قام أحد إلا زيد تبين ذلك لأن أحدا كأنه ليس في الكلام فحسن الرد على الفعل. ولا يقال للمعرفة أو الكناية أحد إذ شاكل المعرفة كأنه ليس في الكلام ؛ ألا ترى أنك تقول ما مررت بأحد إلا بزيد (فكأنك قلت: ما مررت إلا بزيد) لأن أحدا لا يتصور في الوهم أنه معمود له. وقبيح أن تقول: ليس أحد مررت به إلا بزيد لأن الهاء لها صورة كصورة [ ص: 11 ] المعرفة، وأنت لا تقول: ما قمت إلا زيد فهذا وجه قبحه. كذلك قال: ما نراك ثم كأنه حذف (نراك) وقال: (ما اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) فابن على هذا ما ورد عليك إن شاء الله:

                                                                                                                                                                                                                                      بادي الرأي لا تهمز (بادي) لأن المعنى فيما يظهر لنا [و] يبدو. ولو قرأت (بادئ الرأي) فهمزت تريد أول الرأي لكان صوابا. أنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      أضحى لخالي شبهي بادي بدي وصار للفحل لساني ويدي



                                                                                                                                                                                                                                      فلم يهمز ومثله مما تقوله العرب في معنى ابدأ بهذا أول، ثم يقولون. ابدأ بهذا آثرا ما وآثر ذي أثير (وأثير ذي أثير) وإثر ذي أثير، وابدأ بهذا أول ذات يدين وأدنى دني. وأنشدونا:


                                                                                                                                                                                                                                      فقالوا ما تريد فقلت ألهو     إلى الإصباح آثر ذي أثير



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية