الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقضى ربك ألا تعبدوا  كقولك: أمر ربك وهي في قراءة عبد الله (وأوصى ربك) وقال ابن عباس هي (ووصى) التصقت واوها. والعرب تقول تركته يقضي أمور الناس أي يأمر فيها فينفذ أمره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله وبالوالدين إحسانا معناه: وأوصى بالوالدين إحسانا. والعرب تقول أوصيك به خيرا، وآمرك به خيرا. وكان معناه: آمرك أن تفعل به ثم تحذف (أن) فتوصل الخير بالوصية وبالأمر، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا     خيرا بها كأننا جافونا



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إما يبلغن عندك الكبر فإنه ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما، ثم قال أحدهما أو كلاهما على الائتناف كقوله ثم عموا وصموا ) ثم استأنف فقال: كثير منهم وكذلك قوله لاهية قلوبهم وأسروا النجوى ثم استأنف فقال:

                                                                                                                                                                                                                                      الذين ظلموا وقد قرأها ناس كثير إما يبلغن عندك الكبر جعلت يبلغن فعلا لأحدهما. فكررت فكرت عليه كلاهما [ ص: 121 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله فلا تقل لهما أف قرأها عاصم بن أبي النجود والأعمش (أف) خفضا بغير نون. وقرأ العوام (أف) فالذين خفضوا ونونوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يعرف معناه إلا بالنطق به فخفضوه كما تخفض الأصوات. من ذلك قول العرب: سمعت طاق طاق لصوت الضرب، ويقولون:

                                                                                                                                                                                                                                      سمعت تغ تغ لصوت الضحك. والذين لم ينونوا وخفضوا قالوا: أف على ثلاثة أحرف، وأكثر الأصوات إنما يكون على حرفين مثل صه ومثل يغ ومه، فذلك الذي يخفض وينون فيه لأنه متحرك الأول. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهها فيخفض فخفض بالنون:

                                                                                                                                                                                                                                      وشبهت أف بقولك مد ورد إذ كانت على ثلاثة أحرف. ويدل على ذلك أن بعض العرب قد رفعها فيقول أف لك. ومثله قول الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                      سألتها الوصل فقالت مض     وحركت لي رأسها بالنغض



                                                                                                                                                                                                                                      كقول القائل (لا) يقولها بأضراسه. ويقال: ما علمك أهلك إلا (مض ومض) وبعضهم: إلا مضا يوقع عليها الفعل. وقد قال بعض العرب: لا تقولن له أفا ولا تفا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع [والنصب] ، والنصب بلا نون يجوز كما قالوا رد. والعرب تقول: جعل يتأفف من ريح وجدها، معناه يقول: أف أف. وقد قال الشاعر فيما نون:


                                                                                                                                                                                                                                      وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم     وما بال تكليم الديار البلاقع

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 122 ] فحذف النون لأنها كالأداة، إذ كانت على ثلاثة أحرف، شبهت بقولهم: جير لا أفعل ذاك، وقد قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فقلن على الفردوس أول مشرب     أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية