الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث الحسن "أنه قال: طلب هذا العلم ثلاثة أصناف من الناس:  فصنف تعلموه للمراء والجهل، وصنف تعلموه للاستطالة والختل، وصنف تعلموه للتفقه والعقل، فصاحب التفقه والعقل ذو كآبة وحزن، قد تنحى في برنسه، وقام الليل في حندسه، قد أوكدتاه يداه، وأعمدتاه رجلاه، فهو مقبل على شأنه، عارف بأهل زمانه، قد [ ص: 94 ] استوحش من كل ذي ثقة من إخوانه، فشد الله من هذا أركانه، وأعطاه الله يوم القيامة أمانه، وذكر الصنفين الآخرين".

حدثنيه أحمد بن الحسين التيمي، أخبرنا أحمد بن يحيى بن مملك، أخبرنا أبو بدر: عباد بن الوليد الغبري، أخبرنا حبان بن هلال، أخبرنا عبد القاهر بن شعيب، عن هشام بن حسان، عن الحسن.

الختل: الخداع. يقال: ختلت الصيد، وختلت الرجل ختلا. أنشدني أبو عمر:


أدوت له لأختله فهيهات الفتى حذر



وقوله: تنحى في برنسه  أي: توجه للصلاة، وأقبل عليها، وكل من قصد قصد شيء، فقد تنحى له، قال الشاعر:


تنحى له عمرو فشك ضلوعه     بمدرنفق الخلجاء والنقع ساطع



والحندس: سواد الليل وظلمته، ويقال: ليل حندس أي: مظلم، قال الشاعر:


وليلة من الليالي حندس     لون حواشيها كلون السندس



وقوله: أوكدتا يداه، هكذا قال الراوي، وأراه: أكأدتاه يداه أي: أتعبتاه.

يقال: أكأدني الأمر، وتكاءدني الشيء: إذا شق عليك، وعقبة كؤود [ ص: 95 ] وكأداء أي: ذات مشقة، أو يقال: كدتاه يداه من الكد والتعب.

ويحتمل أن يكون معنى أوكدتاه: أعملتاه، يقال: وكد فلان أمره يكده وكدا: إذا مارسه [وقصده] ، ومنه قولالطرماح:


ونبئت أن القين زنى عجوزة     قفيرة أم السوء أن لم يكد وكدي



معناه: لم يعمل عملي، ولم يغن غنائي، [ويقال: ما زال ذلك وكدي بضم الواو أي: فعلي ودأبي، والوكد: الاسم، والوكد: المصدر.].

وقوله: وأعمدتاه رجلاه أي: صيرتاه عميدا؛ لطول اعتماده في القيام عليهما، والعميد: المريض الذي لا يستطيع أن يثبت على المكان حتى يعمد من جوانبه ويرفد.

التالي السابق


الخدمات العلمية