قد وقع هذا الحديث أولا في كتاب أبي عبيد، وثانيا في كتاب ابن [ ص: 432 ] قتيبة، وفسر كل واحد منهما طائفة من لفظه، ولم يعرض واحد منهما لمعناه، وقد علمنا أن هذا مثل في رؤيا أريها -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يراد بالمثل تقريب علم الشيء، وإيضاحه بذكر نظيره، وفي إغفال بيانه والذهاب عن معناه وعن موضع التشبيه فيه إبطال فائدة المثل، وإثبات التفضيل لعمر على أبي بكر؛ إذ قد وصف بالقوة من حيث وصف أبو بكر بالضعف، وتلك خطة أباها المسلمون. والمعنى -والله أعلم- أنه إنما أراد بهذا القول إثبات خلافتهما، والإخبار عن مدة ولايتهما والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامهما، فشبه أمر المسلمين بالقليب، وهو البئر العادية وذلك لما يكون فيها من الماء الذي به حياة العباد، وصلاح البلاد، وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذي يستقي الماء ويقريه للواردة، ونزع أبو بكر ذنوبا أو ذنوبين على ضعف فيه، إنما هو قصر مدة خلافته، والذنوبان مثل في السنتين اللتين وليهما وأشهرا بعدهما، وانقضت أيامه في قتال أهل الردة، واستصلاح أهل الدعوة، ولم يتفرغ لافتتاح الأمصار، وجباية الأموال فذلك ضعف نزعه.
وأما فقد طالت أيامه، واتسعت ولايته، وفتح الله على عهده عمر العراق والسواد وأرض مصر وكثيرا من بلاد الشام، وقد غنم أموالها فقسمها في المسلمين فأخصبت رحالهم، وحسنت بها أحوالهم، فكان جودة نزعه مثلا لما نالوه من الخير في زمانه والله أعلم.
والعرب تضرب المثل في المفاخرة والمغالبة بالمساقاة والمساجلة فتقول: فلان يساجل فلانا أي: يقاومه ويغالبه، وأصل ذلك أن يستقي ساقيان فيخرج كل واحد منهما في سجله مثل ما يخرج الآخر فأيهما نكل غلب. وقال العباس بن الفضل اللهبي يذكر ذلك:
[ ص: 433 ]
من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب