الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه: أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: "صم يوما ولك عشرة أيام" قال: زدني يا رسول الله، فإن بي قوة، قال: "صم يومين ولك تسعة أيام". قال زدني فإني أجد قوة، قال: "صم ثلاثة أيام ولك ثمانية أيام".

هذا حديث يرويه عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه قال: فحدثت به مطرفا فقال: أراه يزاد في العمل، وينقص من الأجر.

وتفسيره ما ذهب إليه أحمد بن حنبل، ذكره الأثرم عنه غير أنه قال في حديثه: "صم يوما ولك عشرة"، و "صم يوما ولك تسعة" قال: "وصم يوما ولك ثمانية". قال: ووجهه أن يزاد العدد الثاني على العدد الأول فيقال: صم يوما، وعقد بيده واحدا، ولك عشرة وعقد أحد عشر ثم قال: صم يوما وعقد بيده [ ص: 513 ] اثني عشر ولك تسعة فذلك أحد وعشرون. ثم قال: صم يوما فذلك اثنان وعشرون، ولك ثمانية، فذلك ثلاثون، من كل شهر ثلاثة أيام.

وعلى رواية عفان فتكون ثلاثة وثلاثين لكل يوم عشرة أيام. وذلك تأويل قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها .

فأما الحديث الذي يرويه شعبة، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أتيت رسول الله فسألته عن الصوم فقال: "صم يوما من كل شهر، ولك أجر ما بقي". قلت: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: قال: "صم يومين من كل شهر ولك أجر ما بقي". قلت إني أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم ثلاثة أيام من كل شهر ولك أجر ما بقي".

فإنه يريد في الحديث الأول أجر ما بقي من العشر. وفي الثاني أجر ما بقي من العشرين. وفي الثالث أجر ما بقي من الشهر. ولا يجوز أن ينقص من الأجر إذا زاد في العمل.

فأما حديث أبي قتادة الأنصاري حدثناه ابن السماك، نا يحيى بن أبي طالب، أنا عبد الوهاب بن عطاء، نا سعيد، عن قتادة، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد، عن أبي قتادة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه عن من يصوم يومين ويفطر  يوما قال: "ويطيق ذلك [ ص: 514 ] أحد" قال: فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما قال: "ذلك صوم داود". قال: فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يومين قال: "وددت أني طوقت ذلك".

فوجهه أن يكون ذلك إنما هو لحق غيره لا لعجز نفسه. ونرى والله أعلم أن المانع له من أن يطيقه ما كان يلزمه من حقوق النساء؛ لأن الصوم يخل بحقوقهن. وقد كان صلى الله عليه: يواصل بين الأيام ويقول: "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني".

وقال: "لو مد لنا الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم".

وأخبرنا ابن الأعرابي، نا محمد بن عبد الملك الدقيقي، نا يزيد بن هارون، أنا حميد، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر، ويفطر من الشهر حتى نقول: لا يصوم منه شيئا.

التالي السابق


الخدمات العلمية