الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا كان اسمه حبابا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وقال: "إن الحباب اسم شيطان".

أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال الأصمعي: الحباب الحية،  وإنما قيل الحباب اسم شيطان لأن الحية يقال لها شيطان وأنشد:


تعمج شيطان بذي خروع قفر



وقال المبرد: الحباب حية بعينها، وأنشد لعمر بن أبي ربيعة يصف أنه زار عشيقته:


ونفضت عني العين أقبلت مشية ال     حباب وركني خيفة القوم أزور

وأما قول الشاعر:


وفي البقل إن لم يدفع الله شره     شياطين ينزو بعضهن على بعض

فيقال: إنه أراد بالشياطين الحيات. ويقال: بل هو مثل يريد أن الناس إذا أخصبوا بطروا فصاروا شياطين، وإنما كره والله أعلم اسم الحية [ ص: 528 ] لخبثها وغائلتها، وكان يغير الاسم القبيح بالاسم الحسن، وقد غير عدة أسام.

أخبرني ابن داسة قال: قال أبو داود: غير رسول الله صلى الله عليه اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان، والحكم وغراب وشهاب. وسمى المضطجع المنبعث، وسمى شعب الضلالة شعب الهدى، ومر بأرض تسمى عثرة فسماها خضرة. وقال غير ابن داسة: عفرة، وقال غير أبي داود: غدرة.

حدثناه إبراهيم بن فراس، نا موسى بن هارون، نا محمد بن عبد الله بن نمير، نا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه مر بأرض تسمى غدرة فسماها خضرة.

أما تغييره اسم العاص فلكراهية العصيان الذي هو مناف لصفة المؤمن، وإنما شعار المؤمن الطاعة، وسمته العبودية. وأما تغييره اسم العزيز فلأن العز لا يليق بالعبيد، إنما يوصفون بالذل والخضوع، وإنما هو من صفات الباري، وقد قال عندما يقرع بعض أعدائه: ذق إنك أنت العزيز الكريم .

وأما عتلة فإنما كره -والله أعلم- بشاعة الاسم، وذلك أن معناها الشدة والغلظة. يقال: عتلت الرجل إذا جذبته جذبا عنيفا، ومنه قيل رجل عتل ومعتل. قال ذو الإصبع العدواني:


[ ص: 529 ] والدهر يغذو معتلا جذعا



أي: شابا قويا.

وقد وصف الله المؤمنين بلين الجانب وخفض الجناح، فقال: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا . وقد قال صلى الله عليه: "المسلمون هينون لينون كالجمل الأنف".  

وقال صلى الله عليه لجد سعيد بن المسيب: "ما اسمك" قال حزن، قال: "اسمك سهل".

وأما الشيطان فاسم لكل مارد من الجن والإنس، قال الله تعالى: شياطين الإنس والجن .

ويقال: سمي شيطانا لبعده عن الخير. يقال: نوى شطون، أي بعيدة، وبئر شطون إذا كانت بعيدة المهوى، وكذلك الأمر في اسم الغراب؛ لأنه فيما يقال مأخوذ من البعد والاغتراب. ويقال: للرجل اغرب عني، أي ابعد، وغربت الشمس إذا غابت فبعدت عن الأبصار. واغترب الرجل إذا بعد عن أهله، على أن الغراب نفسه كأخبث الطير  لوقوعه على الجيف، وبحثه عن النجاسة، وقد حرم رسول الله أكله، وأباح للمحرم قتله.

[ ص: 530 ] وأما الحكم فهو من أسماء الله، وتأويله الحاكم الذي لا معقب لحكمه، وهذه الصفة لا تليق بمخلوق.

وأما الشهاب فالشعلة من النار، والنار عقوبة الله للكفار، فكره أن يتسمى بها المسلم.

وأما قوله: عثرة فهي الأرض التي لا نبات فيها، إنما هي صعيد قد علاها العثير وهو الغبار، وكذلك العفرة مأخوذ من عفرة الأرض وهي لونها الأغبر. فوسمها بالخضرة ؛ لأنها إذا اخضرت تغطى ترابها وذهب غبارها. والغدرة من الأرض هي التي لا تسمح بالنبات أو تنبت شيئا ثم تسرع إليه الآفة، فيبيد ويتلف، شبهت بالغادر الذي يخيل قولا ولا يفي فعلا.

وفي الحديث: "أن بين يدي الساعة سنين غدارة أو خداعة يكثر فيها المطر، ويقل النبات".

فأما حديثه الآخر: أنه نهى أن نسمي العبيد يسارا أو رباحا.

حدثناه إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري، نا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الضبي، نا عفان، نا معتمر بن سليمان، سمعت الركين بن الربيع يحدث عن أبيه، عن سمرة بن جندب قال: نهانا رسول الله أن نسمي رقيقنا أربعة أسام: أفلح ورباحا ويسارا ونافعا،  فقد جاء إنما كره ذلك للتطير.

[ ص: 531 ] حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق، نا أبو داود، نا النفيلي، نا زهير، نا منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن ربيع بن عميلة، عن سمرة بن جندب. قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح؛ فإنك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا، إنما هي أربع، فلا تزيدن علي". فأما من سلك به مذهب الفأل، وقصد فيه اليمن والتبرك، فأنا أرجو أن لا يكون به حرجا إن شاء الله. وقد كان لرسول الله غلام يقال: له رباح، وسمى عبد الله بن عمر بن الخطاب غلامه نافعا.

حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم، نا ابن بنت منيع، نا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: كان للنبي غلام اسمه رباح.

حدثني عبد الله بن محمد بن شاذان الكراني، نا أحمد بن إبراهيم بن العنبر، نا الحسن بن علي الحلواني، نا المعلى بن أسد، نا عبد العزيز بن المختار، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال لي عبد الله بن عمر: هل تدري لم سميت ابني سالما؟ قلت: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة، هل تدري لم سميت ابني واقدا؟ قلت: لا، قال باسم واقد بن [ ص: 532 ] عبد الله اليربوعي هل تدري لم سميت ابني عبد الله قلت: لا، قال: باسم عبد الله بن رواحة.

التالي السابق


الخدمات العلمية