الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه: أن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله فرأينا رجلا من المشركين على جمل أحمر،  قال: فخرج ناس في أثره، وخرجت أنا ورجل من قوم من أسلم، وهو على ناقة ورقاء، وأنا على رجلي فأعترقها حتى آخذ بخطام الجمل فأضرب رأسه، فنفلني رسول الله سلبه.

يرويه عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه.

[ ص: 567 ] قوله: "أعترقها" لست أدري كيف الرواية في هذا الحرف بالعين أو بالغين، فإن كانت بالغين معجمة كان معناه أنه سعى شدا على رجله حتى تقدمها، فأخذ بخطام الجمل. يقال: للفرس إذا خالط الخيل ثم سبقها قد اغترقها. وإن كانت الرواية بالعين فمن قولهم: عرق الرجل عروقا في الأرض إذا ذهب، وجرت الخيل عرقا أي طلقا، وعلى هذا تأول ابن دريد قول قيس بن الخطيم:


تعترق الطرف وهي لاهية كأنما شف وجهها نزف

زعم مبرمان النحوي أنه أنشدهم هذا البيت: تعترق بالعين غير معجمة، يريد أنها تسبق نظر العين وتفوته، فلا يقدر على استيفاء محاسنها. قال: والرواية الصحيحة: تغترق بالغين معجمة، ورواية ابن دريد تصحيف.

وقال المفجع يذكر ذلك في أشياء، زعم أنه صحف فيها:


ألست قدما جعلت تعترق الط     رف بجهل مكان تغترق
وقلت كان الخباء من أدم     وهو حباء يهدى ويصطدق

يريد قول مهلهل بن ربيعة:


أنكحها فقدها الأراقم في     جنب وكان الحباء من أدم

زعم أنه أنشدهم البيت بالخاء، وإنما هو الحباء بالحاء، وهو عطية الصداق، وكان مهلهل نزل في آخر حرب البسوس في جنب ابن عمرو وهو [ ص: 568 ] حي من أحياء مذحج وضيع فخطبت ابنته ومهرت أدما، فلم يقدر على الامتناع فزوجها. وقال:


أنكحها فقدها الأراقم في     جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء خاطبها     ضرج ما أنف خاطب بدم

والأراقم: قبيلة من تغلب سموا أراقم؛ لأن أعينهم شبهت بعيون الأراقم. وهي الحيات.

التالي السابق


الخدمات العلمية