فقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار ". إن رجلين اختصما إليه في مواريث، وأشياء قد درست.
فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله! حقي هذا لصاحبي.
فقال: "لا ". ولكن اذهبا، فتوخيا، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه" [ ص: 41 ] .
قال: حدثناه عن "صفوان بن عيسى" عن "أسامة بن زيد" عن "عبد الله بن رافع" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 42 ] "أم سلمة: يعني أفطن لها وأجدل، واللحن: الفطنة - بفتح الحاء. قوله: "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ":
ومنه قول "عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم، ويقال منه: رجل لحن إذا كان فطنا، قال" "عمر بن عبد العزيز ": "لبيد" يذكر " [رجلا] كاتبا:
متعود لحن يعيد بكفه قلما على عسب ذبلن وبان
واللحن في أشياء سوى هذا.[منه] الخطأ في الكلام، وهو بجزم الحاء [ ص: 43 ] .
يقال منه: قد لحن الرجل لحنا.
ومنه قول - رضي الله عنه - : "عمر"
قال حدثناه عن "أبو معاوية" "عاصم" عن عن "مورق" [رحمه الله] قال: "تعلموا اللحن، والفرائض، والسنن كما تعلمون القرآن ". "عمر"
قال وحدثناه أبو عبيد: "الدقيعي محمد بن عبد الله" عن عن "يزيد ابن هارون" عن "عاصم الأحول" [ ص: 44 ] . "مورق"
ومنه حديث "كنت أطوف مع "أبي العالية ": وهو يعلمني لحن الكلام ". "ابن عباس"
وإنما سماه لحنا؛ لأنه إذا بصره الصواب فقد بصره اللحن.
ومن اللحن [أيضا] قول الله - تبارك وتعالى - : ولتعرفنهم في لحن القول فكأن تأويله - والله أعلم - في فحواه، وفي معناه، وفي مذهبه.
وفي هذا الحديث من الفقه قوله: "اذهبا، فتوخيا "، يقول: توخيا الحق، فكأنه قد أمر الخصمين بالصلح.
[ ص: 45 ] . وقوله: "استهما" أي اقترعا، فهذا حجة لمن قال بالقرعة في الأحكام
قال الله - تبارك وتعالى - في قصة "يونس ": فساهم فكان من المدحضين وقال [ - عز وجل - ] في قصة "مريم" [ - عليها السلام - ] : إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم
فكل هذا حجة في القرعة.
وفي الحديث من الفقه أيضا أنه ألا تراه يقول: لا يحل للمقضي له حرام، وإن قضى له القاضي بذلك؛
"من قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة - من النار" [ ص: 46 ] .
ومما يبين ذلك حكمه في ابن أمة "زمعة" حين قضى به للفراش فجعله أخا في القضاء، ثم أمرها أن تحتجب منه [ ص: 47 ] . "سودة بنت زمعة"