الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
161 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إن رجلين اختصما إليه في مواريث، وأشياء قد درست.

فقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار ".
 

فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله! حقي هذا لصاحبي.

فقال: "لا ". ولكن اذهبا، فتوخيا، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه"
[ ص: 41 ] .

قال: حدثناه "صفوان بن عيسى" عن "أسامة بن زيد" عن "عبد الله بن رافع" عن "أم سلمة: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 42 ] قوله: "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ":  يعني أفطن لها وأجدل، واللحن: الفطنة - بفتح الحاء.

ومنه قول "عمر بن عبد العزيز ": "عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم، ويقال منه: رجل لحن إذا كان فطنا، قال" "لبيد" يذكر " [رجلا] كاتبا:


متعود لحن يعيد بكفه قلما على عسب ذبلن وبان

واللحن في أشياء سوى هذا.

[منه] الخطأ في الكلام، وهو بجزم الحاء [ ص: 43 ] .

يقال منه: قد لحن الرجل لحنا.

ومنه قول "عمر" - رضي الله عنه - :

قال حدثناه "أبو معاوية" عن "عاصم" عن "مورق" عن "عمر" [رحمه الله] قال: "تعلموا اللحن، والفرائض، والسنن كما تعلمون القرآن ".

قال أبو عبيد: وحدثناه "الدقيعي محمد بن عبد الله" عن "يزيد ابن هارون" عن "عاصم الأحول" عن "مورق" [ ص: 44 ] .

ومنه حديث "أبي العالية ": "كنت أطوف مع "ابن عباس" وهو يعلمني لحن الكلام ".

وإنما سماه لحنا؛ لأنه إذا بصره الصواب فقد بصره اللحن.

ومن اللحن [أيضا] قول الله - تبارك وتعالى - : ولتعرفنهم في لحن القول فكأن تأويله - والله أعلم - في فحواه، وفي معناه، وفي مذهبه.

وفي هذا الحديث من الفقه قوله: "اذهبا، فتوخيا "، يقول: توخيا الحق، فكأنه قد أمر الخصمين بالصلح.  

وقوله: "استهما" أي اقترعا، فهذا حجة لمن قال بالقرعة في الأحكام   [ ص: 45 ] .

قال الله - تبارك وتعالى - في قصة "يونس ": فساهم فكان من المدحضين وقال [ - عز وجل - ] في قصة "مريم" [ - عليها السلام - ] : إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم

فكل هذا حجة في القرعة.

وفي الحديث من الفقه أيضا أنه لا يحل للمقضي له حرام، وإن قضى له القاضي بذلك؛  ألا تراه يقول:

"من قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة - من النار"   [ ص: 46 ] .

ومما يبين ذلك حكمه في ابن أمة "زمعة" حين قضى به للفراش فجعله أخا "سودة بنت زمعة" في القضاء، ثم أمرها أن تحتجب منه [ ص: 47 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية