الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
165 - وقال: أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصروا الإبل والغنم، [ ص: 60 ] ومن اشترى مصراة، فهو بآخر النظرين؛ إن شاء ردها، ورد معها صاعا من تمر"   [ ص: 61 ] .

قال: حدثناه "هشيم" قال: أخبرنا "مغيرة" عن "إبراهيم" عن "أبي هريرة" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قوله: "مصراة ": يعني الناقة، أو البقرة، أو الشاة التي قد صري اللبن في ضرعها.  

يعني حقن فيه، وجمع أياما، فلم تحلب.

وأصل التصرية: حبس الماء وجمعه.  

يقال: قد صريت الماء، وصريته، قال "الأغلب ".

رأت غلاما قد صرى في فقرته.

ماء الشباب عنفوان شرته [ ص: 62 ] .

ويقال: هذا ماء صرى، مقصور، قال "عبيد [بن الأبرص] ":


يا رب ماء صرى وردته سبيله خائف جديب

ويقال: منه سميت المصراة، كأنها مياه اجتمعت.

وكان بعض الناس يتأول في المصراة: أنه من صرار الإبل، وليس هذا من ذاك في شيء [ ص: 63 ] .

لو كان من ذاك، لقال مصرورة، وما جاز أن يقال ذلك في البقر والغنم؛ لأن الصرار لا يكون إلا للإبل.

وفي حديث آخر: "أنه نهى عن بيع المحفلة ".

وقال: "إنها خلابة ".

فالمحفلة: هي المصراة بعينها.

قال: حدثنا "يزيد" عن "سليمان التيمي" عن "أبي عثمان النهدي" عن "ابن مسعود" قال:

"من اشترى محفلة، فردها [ ص: 64 ] .

فليرد معها صاعا [من تمر] .

قال "أبو عبيد ": وإنما سميت محفلة؛ لأن اللبن [قد] حفل في ضرعها، واجتمع، وكل شيء كثرته فقد حفلته.

ومنه قيل: قد احتفل القوم: إذا اجتمعوا، وكثروا؛ ولهذا سمي محفل القوم، وجمع المحفل محافل.

وقوله: "لا خلابة" [يعني الخداع]
  [ ص: 65 ] .

يقال منه: خلبته أخلبه خلابة: إذا خدعته .

ومنه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قال: حدثناه "إسماعيل بن جعفر" عن "عبد الله بن دينار" عن "ابن عمر" أن رجلا كان يخدع في البيع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا بايعت، فقل: لا خلابة"   [ ص: 66 ] .

وفي حديث المصراة والمحفلة أصل لكل من باع سلعة، وقد زينها بالباطل أن البيع مردود إذا علم به المشتري؛ لأنه غش وخداع.

وقوله: "ويرد معها صاعا"؛ كأنه إنما جعله قيمة لما نال المشتري من اللبن.  

وكان "أبو يوسف" يقول: إنما عليه القيمة [ ص: 67 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية