الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
21 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا"  يروى [ذلك] عن عوف، عن الحسن يرفعه [ ص: 161 ] .

قال: وحدثنيه أيضا حجاج، عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن محمد بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . مثل حديث "عوف" سواء.

قال الأصمعي: قوله: حتى يريه: هو من الورى على مثال الرمي.

يقال منه: رجل مورى [مشدد] غير مهموز ، وهو أن يروى جوفه، وأنشد:


قالت له وريا إذا تنحنح


تدعو عليه بالورى

وأنشدنا الأصمعي أيضا "للعجاج" يصف الجراحات:


عن قلب ضجم توري من سبر

[ ص: 162 ] يقول: إن سبرها إنسان أصابه منها الورى من شدتها.

والقلب: الآبار، واحدها قليب، وهي البئر شبه الجراحة بها.

[و] قال "أبو عبيدة" في الوري مثله إلا أنه قال: هو أن يأكل القيح جوفه وأنشدنا غيره لعبد بني الحسحاس يذكر النساء:


وراهن ربي مثل ما قد وريتني     وأحمى على أكبادهن المكاويا

[قال أبو عبيد] : وسمعت يزيد بن هارون يحدث [بحديث] عن الشرقي بن القطامي، عن مجالد، عن الشعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا".

يعني من الشعر الذي [قد] هجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عبيد: والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول؛ لأن الذي هجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان شطر بيت لكان كفرا، فكأنه إذا حمل وجه [ ص: 163 ] الحديث على امتلاء القلب منه، أنه قد رخص في القليل منه.

ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه [من الشعر] حتى يغلب عليه، فيشغله عن القرآن، وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه من أي الشعر كان.

فأما إذا كان القرآن والعلم الغالب عليه، فليس جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر.

التالي السابق


الخدمات العلمية