الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
449 - وقال "أبو عبيد" في حديث "النبي" - صلى الله عليه وسلم - : في الرهط العرنيين الذين قدموا عليه المدينة، فاجتووها، فقال:

"لو خرجتم إلى إبلنا، فأصبتم من أبوالها وألبانها.

ففعلوا، فصحوا، فمالوا على الرعاء فقتلوهم، واستاقوا الإبل، وارتدوا عن الإسلام. فأرسل "النبي" - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، وتركوا بالحرة حتى ماتوا"
 
[ ص: 227 ] .

قال: حدثناه "هشيم عن "عبد العزيز بن صهيب" و"حميد الطويل" عن "أنس" قال: وحدثنا "إسماعيل بن جعفر" عن "حميد" عن "أنس" عن "النبي" - صلى الله عليه وسلم - جميعا.

قال: السمل: أن تفقأ العين بحديدة محماة أو بغير ذلك.

يقال من ذلك: سملت عينه أسملها سملا [ ص: 228 ] .

[قال أبو عبيد] : وقد يكون السمل بالشوك، قال "أبو ذؤيب" يرثي بنين له ماتوا:


فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع

وقال "الشماخ" يصف أتانا، ويذكر أن عينها قد غارت من شدة العطش:


قد وكلت بالهدى إنسان ساهمة     كأنه من تمام الظمء مسمول

قال: وقوله: "قدموا المدينة فاجتووها"  قال "أبو زيد": يقال: اجتويت البلاد إذا كرهتها، وإن كانت موافقة لك في بدنك.

ويقال: استوبلتها إذا لم توافقك في بدنك، وإن كنت محبا لها [ ص: 229 ] قال "أبو عبيد": وفي هذا الحديث من الفقه قول: "النبي" - صلى الله عليه وسلم - .

"لو خرجتم إلى إبلنا فأصبتم من أبوالها وألبانها".  

فهذا رخصة في شرب بول ما أكل لحمه،  وهذا أصل هذا الباب.

وكذلك لو وقع في ماء لم ينجس.

وأما قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، فيروى - والله أعلم - أن هذا كان في أول الإسلام قبل أن تنزل الحدود فنسخ.

ألا ترى أن المرتد ليس حده إلا القتل، فأما السمل، فإنه مثلة، وقد نهى "النبي" [صلى الله عليه وسلم] عن المثلة.  

قال حدثنا "ابن مهدي" عن "همام" عن "قتادة" عن "ابن سيرين" قال: كان أمر العرنيين قبل أن تنزل الحدود [ ص: 230 ] .

قال "أبو عبيد": فنرى أن هذا هو الناسخ للأول والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية