الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
510 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن بعير شرد، فرماه بعضهم بسهم حبسه الله به عليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها، فاصنعوا به هكذا"   [ ص: 421 ] .

قال أبو عبيد: حدثنيه "المبارك بن سعيد"، عن أبيه، عن "عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج"، عن جده "رافع بن خديج"، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما دخل كلام بعضهم في بعض [ ص: 422 ] قالوا: قوله: "أوابد كأوابد الوحش"  يعني بالأوابد: التي قد توحشت ونفرت من الإنس يقال منه: قد أبدت تأبد وتأبد أبودا، وتأبدت تأبدا.

ومنه قيل للدار إذا خلا منها أهلها، وخلفتهم الوحش بها: تأبدت، قال "لبيد":


عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها

وفي هذا الحديث أنه قيل: يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا، وليست لنا مدى، فبأي شيء نذبح؟ فقال: "أنهروا الدم بما شئتم إلا الظفر والسن، فأما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبش"   [ ص: 423 ] وقال بعض الناس في هذا: يعني السن المركبة في فم الإنسان، والظفر المركب في أصبعه ليس بمنزوع; لأنه إذا ذبح بذلك فهو خنق.

واحتج فيه بقول "ابن عباس" [رضي الله عنه] في الذي ذبح بظفريه   "إنه إنما قتلها خنقا".

قال أبو عبيد: ومع هذا أنه ليس يمكن الذبح بالظفر والسن المنزوعين لصغرهما.

وقال بعض الناس: لا بل المعنى في النهي واقع على كل ذابح [ ص: 424 ] بسن أو ظفر منزوع أو غير منزوع; لأن الحديث مبهم - والله أعلم - وفي حديث آخر أن "عدي بن حاتم" سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنا نصيد الصيد; فلا نجد ما نذكي به إلا الظرار، وشقة العصا؟ فقال: "أمر الدم بما شئت".  

قال الأصمعي: الظرار: واحدها ظرر، وهو حجر محدد، وجمعه: ظرار وظران، قال "لبيد" يصف الناقة أنها تنفي الحصى بخفها:


بجسرة تنجل الظران ناجية     إذا توقد في الديمومة الظرر [ ص: 425 ]

[قوله] : تنجل: تدفع، وكل شيء رميت به، فقد نجلته، قال حسان [بن ثابت] :


نجلت به بيضاء آنسة     من عبد شمس صلبة الخدم

وقوله: "أمر الدم بما شئت"  يقول: سيله واستخرجه، ومنه قيل: مريت الناقة فأنا أمريها مريا: إذا مسحت ضرعها; لينزل اللبن.

ومنه حديث "ابن عباس" [رضي الله عنهما] أنه سئل عن الذبيحة بالعود  فقال: "كل ما أفرى الأوداج غير مثرد.

حدثنا أبو عبيد: قال: حدثناه "ابن علية"، عن "أيوب"، عن "عكرمة"، عن "ابن عباس".

قوله: ما أفرى الأوداج، يعني ما شقها وأسال منها الدم [ ص: 426 ] .

يقال: أفريت الثوب - بالألف - وأفريت الجلة: إذا شققتها فأخرجت منها ما فيها.

فإذا قلت: فريت - بغير ألف - فإن معناه أن تقدر الشيء وتعالجه وتصلحه مثل النعل تحذوها، أو النطع أو القربة ونحو ذلك.

يقال منه: فريت أفرى فريا، ومنه قول "زهير":


ولأنت تفري ما خلقت وبعـ     ـض القوم يخلق ثم لا يفري

وكذلك فريت الأرض: أي سرتها وقطعتها.

وأما الأول بالألف أفريت أفري إفراء، فإنه من التشقيق على وجه الفساد.

وقوله: "غير مثرد" [ ص: 427 ] .

قال أبو زياد الكلابي في المثرد: الذي يقتل بغير ذكاة.

يقال: قد ثردت ذبيحتك إذا قتلتها من غير أن تفري الأوداج وتسيل الدم.

وأما الحديث المرفوع في الذبيحة بالمروة،  فإن المروة حجارة بيض، وهي التي تقدح منها النار.

قالها الأصمعي وغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية