قال أبو عبيد: حدثنيه "المبارك بن سعيد"، عن أبيه، عن "عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج"، عن جده "رافع بن خديج"، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.
قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما دخل كلام بعضهم في بعض [ ص: 422 ] قالوا: قوله: "أوابد كأوابد الوحش" يعني بالأوابد: التي قد توحشت ونفرت من الإنس يقال منه: قد أبدت تأبد وتأبد أبودا، وتأبدت تأبدا.
ومنه قيل للدار إذا خلا منها أهلها، وخلفتهم الوحش بها: تأبدت، قال "لبيد":
عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها
وفي هذا الحديث أنه قيل: يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا، وليست لنا مدى، فبأي شيء نذبح؟ فقال: "أنهروا الدم بما شئتم إلا الظفر والسن، فأما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبش" [ ص: 423 ] وقال بعض الناس في هذا: يعني السن المركبة في فم الإنسان، والظفر المركب في أصبعه ليس بمنزوع; لأنه إذا ذبح بذلك فهو خنق.واحتج فيه بقول "ابن عباس" [رضي الله عنه] في الذي ذبح بظفريه "إنه إنما قتلها خنقا".
قال أبو عبيد: ومع هذا أنه ليس يمكن الذبح بالظفر والسن المنزوعين لصغرهما.
وقال بعض الناس: لا بل المعنى في النهي واقع على كل ذابح [ ص: 424 ] بسن أو ظفر منزوع أو غير منزوع; لأن الحديث مبهم - والله أعلم - وفي حديث آخر أن "عدي بن حاتم" سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنا نصيد الصيد; فلا نجد ما نذكي به إلا الظرار، وشقة العصا؟ فقال: "أمر الدم بما شئت".
قال الأصمعي: الظرار: واحدها ظرر، وهو حجر محدد، وجمعه: ظرار وظران، قال "لبيد" يصف الناقة أنها تنفي الحصى بخفها:
بجسرة تنجل الظران ناجية إذا توقد في الديمومة الظرر [ ص: 425 ]
نجلت به بيضاء آنسة من عبد شمس صلبة الخدم
ومنه حديث "ابن عباس" [رضي الله عنهما] أنه سئل عن الذبيحة بالعود فقال: "كل ما أفرى الأوداج غير مثرد.
حدثنا أبو عبيد: قال: حدثناه "ابن علية"، عن "أيوب"، عن "عكرمة"، عن "ابن عباس".
قوله: ما أفرى الأوداج، يعني ما شقها وأسال منها الدم [ ص: 426 ] .
يقال: أفريت الثوب - بالألف - وأفريت الجلة: إذا شققتها فأخرجت منها ما فيها.
فإذا قلت: فريت - بغير ألف - فإن معناه أن تقدر الشيء وتعالجه وتصلحه مثل النعل تحذوها، أو النطع أو القربة ونحو ذلك.
يقال منه: فريت أفرى فريا، ومنه قول "زهير":
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ـض القوم يخلق ثم لا يفري
وأما الأول بالألف أفريت أفري إفراء، فإنه من التشقيق على وجه الفساد.
وقوله: "غير مثرد" [ ص: 427 ] .
قال أبو زياد الكلابي في المثرد: الذي يقتل بغير ذكاة.
يقال: قد ثردت ذبيحتك إذا قتلتها من غير أن تفري الأوداج وتسيل الدم.
وأما الحديث المرفوع في الذبيحة بالمروة، فإن المروة حجارة بيض، وهي التي تقدح منها النار.
قالها الأصمعي وغيره.


