الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
584 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] في أسيفع جهينة أنه خطب ، فقال : "ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته ، بأن يقال : سابق الحاج - أو قال : سبق الحاج - فادان معرضا ، فأصبح قد رين [ ص: 168 ] به ، فمن كان له عليه دين فليغد بالغداة ، فلنقسم ماله بينهم بالحصص " .

قال : حدثنيه أبو النضر ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن ابن دلاف ، عن عمر .

قال أبو زيد الأنصاري : قوله : فادان معرضا : يعني استدان معرضا ، وهو الذي يعترض الناس ، فيستدين ممن أمكنه .

قال الأصمعي : وكل شيء أمكنك من عرضه ، فهو معرض لك ، ومن هذا قول الناس : هذا الأمر معرض لك ، إنما هو بكسر الراء [بهذا المعنى ] ، ومنه قول عدي بن زيد . . . :


سره حاله وكثرة ما يمـ ـلك والبحر معرضا والسدير

[قال أبو عبيد ] : ويروى : والنخل ، ويروى : معرض بالرفع [أيضا ] [ ص: 169 ] .

قال أبو عبيد : وقوله : فأصبح قد رين به . قال أبو زيد : يقال : قد رين بالرجل رينا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ، ولا قبل له به .

وقال القنائي الأعرابي : رين به : انقطع به .

قال أبو عبيد : وهذا المعنى شبيه بما قال أبو زيد ؛ لأنه إذا أتاه ما لا قبل له به ، فهو منقطع به ، وكذلك كل ما غلبك وعلاك ، فقد ران بك ، وران عليك ، [ ص: 170 ] ومنه قول الله - عز وجل - : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون

قال : حدثنا عباد بن القوام ، عن عاصم ، عن الحسن في هذه الآية قال : هو الذنب على الذنب ، حتى يسود القلب .

[قال أبو عبيد ] : وهذا من الغلبة عليه أيضا .

وكذلك قول أبي زبيد يصف رجلا شرب حتى غلبه الشراب سكرا ، فقال :


ثم لما رآه رانت به الخمـ     ـر ألا ترينه باتقاء

فقوله : رانت به الخمر : أي غلبت على قلبه وعقله .

قال الأموي : ويقال أيضا : قد أران القوم ، فهم مرينون : إذا هلكت مواشيهم ، أو هزلت ، وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم ، ولا يستطيعون احتماله .

وفي هذا الحديث من الفقه أنه باع عليه ماله ، وقسمه بين الغرماء .

وهذا مثل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاذ بن جبل أنه كان رجلا سخيا ، فركبه الدين ، فخلعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ماله للغرماء .  وبهذا يقضي أهل الحجاز ، وبه كان يحكم أبو يوسف . فأما "أبو حنيفة " فإنه كان لا يرى أن يبيع عليه ماله ، ولكنه كان يقول : يحبس أبدا ، حتى يموت ، أو يقضي ما عليه [كان عنده ، أو لم يكن ] [ ص: 171 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية