الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
613 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [ - رضي الله عنه - ] أنه قال [ ص: 224 ] :

فرقوا عن المنية ، واجعلوا الرأس رأسين ، ولا تلثوا بدار معجزة ، وأصلحوا مثاويكم ، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم ، وقال : اخشوشنوا واخشوشبوا ، وتمعددوا " .

قال : حدثناه أبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي العدبس الأسدي ، عن عمر .

قوله : "فرقوا عن المنية ، واجعلوا الرأس رأسين" ، يقول : إذا أراد أحدكم أن يشتري شيئا من الحيوان ؛ من مملوك أو غيره من الدواب ، فلا يغالين به ، ولكن ليجعل ثمنه في رأسين ، وإن كانا دون الأول ، فإن مات أحدهما بقي الآخر .

وقوله : "ولا تلثوا بدار معجزة " فالإلثاث : الإقامة ، يقول : لا تقيموا ببلد قد أعجزكم فيه الرزق ، ولكن اضطربوا في البلاد .

وهذا شبيه بحديثه الآخر : "إذا اتجر أحدكم في شيء ثلاث مرات ، فلم يرزق منه ، فليدعه " [ ص: 225 ] .

[قال أبو عبيد ] : وقد يفسر هذا تفسيرا آخر ، يقال : إنه أراد الإقامة بالثغور مع العيال .

قال أبو عبيد : يقول : فليس بموضع ذرية ، فهذا هو الإلثاث بدار معجزة .

وقوله : وأصلحوا مثاويكم . المثاوي : المنازل ، يقال : ثويت بالمكان : إذا نزلت به ، وأقمت ، ولهذا قيل لكل نازل : ثاو .

وهذا معنى قراءة "عبد الله " : (لنثوينهم من الجنة غرفا ) أي : لننزلنهم .

[قال ] : وهكذا كان يقرأ الكسائي .

وقوله : "وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم " : يعني دواب الأرض ؛ العقارب والحيات ، يقول : احترسوا منهن ، ولا يظهر لكم منهن شيء إلا قتلتموه .

وقوله : "اخشوشنوا " : هو من الخشونة في اللباس والمطعم .

واخشوشبوا أيضا شبيه به ، وكل شيء غليظ خشن ، فهو أخشب وخشب [ ص: 226 ] .

وهو من الغلظ ، وابتذال النفس في العمل ، والاحتفاء في المشي ليغلظ الجسد ، ويجسو .

ومنه حديث النبي - صلى الله عليه [وسلم ] - في مكة : "لا تزول حتى يزول أخشباها "  والأخشب : الجبل ، قال ذو الرمة - يصف الظليم - :


شخت الجزارة مثل البيت سائره من المسوح خدب شوقب خشب

وقوله : "تمعددوا " فيه قولان :

يقال : هو من الغلظ أيضا ، ومنه قيل للغلام إذا شب وغلظ : قد تمعدد ، قال الراجز :

ربيته حتى إذا تمعددا

[يصف عقوق ابنه ] .

ويقال [في ] تمعددوا : تشبهوا بعيش معد ، وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش ، يقول : فكونوا مثلهم ، ودعوا التنعم ، وزي العجم .

وهكذا هو في حديث له آخر : "عليكم باللبسة المعدية " [ ص: 227 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية