وأما الاختلاف من جهة  كونه خارجا على أهل السنة أو غير خارج   ؛ :  
فلأن غير الخارج لم يزد على الدعوة مفسدة أخرى يترتب عليه إثم ، والخارج زاد الخروج على الأئمة وهو موجب للقتل ، والسعي في الأرض بالفساد ، وإثارة الفتن والحروب ، إلى حصول العداوة والبغضاء بين أولئك      [ ص: 220 ] الفرق ، فله من الإثم العظيم أوفر حظ .  
ومثاله قصة  الخوارج   الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :  يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية  ، وأخبارهم شهيرة .  
وقد لا يخرجون هذا الخروج ، بل يقتصرون على الدعوة ، لكن على وجه أدعى إلى الإجابة ، لأن فيه نوعا من الإكراه والإخافة ، فلا هو مجرد دعوة ، ولا هو شق العصا من كل وجه ، وذلك أن يستعين على دعوة بأولي الأمر من الولاة والسلاطين; فإن الاقتداء هنا أقوى بسبب خوف الولاة في الإيقاع بالآبي سجنا أو ضربا أو قتلا ، كما اتفق   لبشر المريسي  في زمن   المأمون ،   ولأحمد بن أبي دؤاد  في خلافة الواثق ، وكما اتفق لعلماء المالكية  بالأندلس ،   إذ صارت ولايتها للمهديين ، فمزقوا كتب المالكية ، وسموها كتب الرأي ، ونكلوا بجملة من الفضلاء بسبب أخذهم في الشريعة بمذهب  مالك     . وكانوا هم مرتكبين للظاهرية المحضة ، التي هي عند العلماء بدعة ظهرت بعد المائتين من الهجرة ، ويا ليتهم وافقوا مذهب  داود  وأصحابه ! لكنهم تعدوا ذلك إلى أن قالوا برأيهم ، ووضعوا للناس مذاهب لا عهد ( لهم ) بها في الشريعة ، وحملوهم عليها طوعا أو كرها ، حتى عم داؤها في الناس ، وثبتت زمانا طويلا ، ثم ذهب منها جملة وبقيت أخرى إلى اليوم ، ولعل الزمان يتسع إلى ذكر جملة منها في أثناء الكتاب بحول الله .  
فهذا الوجه ، الوزر فيه أعظم من مجرد الدعوة من وجهين :  
 [ ص: 221 ] الأول : الإخافة والإكراه بالإسلام والقتل .  
والآخر : كثرة الداخلين في الدعوة; لأن الإعذار والإنذار الأخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس ، بخلاف الدنيوي ، ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع ، و " إن ( الله ) يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن " ، فالمبتدع إذا لم ينتصر بإجابة دعوته بمجرد الإعذار والإنذار الذي يعظ ( به ) ، حاول الانتهاض بأولي الأمر; ليكون ذلك أحرى بالإجابة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					