قال: ولد في قوم أميين ونشأ بين ظهرانيهم في بلد ليس بها عالم يعرف أخبار المتقدمين وليس فيهم منجم يتعاطى علم الكوائن ولا مهندس يعرف التقدير ولا فيلسوف يبصر الطبائع ولا متكلم يهتدي لرسوم الجدل ووجوه المحاجة والمناظرة والاستدلال بالحاضر على الغائب، ولم يخرج في سفر ضاربا إلى عالم فيعكف عليه ويأخذ منه هذه العلوم، وكل هذا معلوم عند أهل بلده مشهور عند ذوي المعرفة والخبرة بشأنه، يعرفه العالم والجاهل والخاص والعالم منهم فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية، وقد كان ذهب معالم تلك الكتب ودرست وحرفت عن مواضعها ولم يبق من المتمسكين بها وأهل المعرفة بصحيحها من سقيمها إلا القليل، ثم حاج كل فريق من أهل الملل المخالفة له بما لو احتشد له حذاق المتكلمين وجهابذة المحصلين لم يتهيأ لهم نقض شيء منه، فكان ذلك من أدل شيء على أنه أمر جاءه من عند الله عز وجل. ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أنه كان أميا لا يخط كتابا بيده ولا يقرؤه،
وهذا هو معنى قوله سبحانه أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ففيه إشارة إلى ما اقتصصنا من حاله ووصفنا من أمره في أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ولم يعرف بدرس الكتب وطلب الأخبار، وإنما هو شيء أنزله الله عليه فهو يتلوه عليهم وكفى به دلالة على صحة أمره وصدق دعواه.