الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء، قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان نزلنا يوم الحديبية - وهي بئر - فوجدنا الناس قد نزحوها، فلم يدعوا فيها قطرة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بدلو فنزع منها ثم أخذ منه بفيه فمجه فيها ودعا الله فكثر ماؤها حتى صدرنا وركائبنا ونحن أربع عشرة مائة.

ورواه أيضا سلمة بن الأكوع والمسور بن مخرمة وقد صنع مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بآبار، وقد ذكرنا صنعه بكل واحدة منها في كتاب الدلائل .

ومنها ما أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا عبد الرزاق ، (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصغاني بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن عوف عن أبي رجاء العطاردي ، عن عمران بن حصين، قال: سرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر هو وأصحابه، قال: فأصابهم عطش شديد فأقبل رجلان من أصحابه - قال: أحسبه عليا والزبير أو غيرهما - قال إنكما ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير [ ص: 276 ] عليه مزادتان على البعير فائتياني بها، قال: فأتيا المرأة فوجداها ركبت بين مزادتين على البعير فقالا لها: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ومن رسول الله؟ أهذا الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين وهو رسول الله حقا، فجاءا بها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في إناء من مزادتيها شيء ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول، - وفي رواية إسحاق - قال: ما شاء أن يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بغطاء المزادتين ففتحت ثم أمروا الناس فملؤوا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملؤوه، قال عمران بن حصين: فكان يخيل إلي أنهما لم يزدادا إلا امتلاء، قال: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بثوبها فبسط ثم أمر أصحابه فجاءوا من أزوادهم حتى ملأ لها ثوبها ثم قال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا ولكن الله سقانا، قال: فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت: جئتكم من عند أسحر الناس أو إنه لرسول الله حقا، قال: فجاء أهل ذلك الحواء حتى أسلموا كلهم .

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا الحسن بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، أنا عوف بن أبي جميلة، فذكره بإسناده ومعناه يزيد وينقص، وقال في آخره: قال: فكان المسلمون يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي فيه فقالت يوما لقومها: إن هؤلاء القوم عمدا يدعونكم هل لكم في الإسلام، فأطاعوها فجاءوا جميعا فدخلوا في الإسلام.

قال الشيخ: وهذا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرجو إسلامهم بما أرى المرأة منهم من معجزاته فأخبرتهم بذلك فعلموا تصديقه فأسلموا .

[ ص: 277 ] وحديث الميضأة الذي رواه عمران وأبو قتادة الأنصاري من هذا الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي قتادة: "أمعكم ماء؟" قال: قلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء فتوضأ القوم وبقي في الميضأة جرعة، فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة فإنها سيكون لها شأن، فذكر الحديث في سيرهم، فلما اشتدت بهم الظهيرة قالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا، قال: "لا هلك عليكم" ثم قال: "يا أبا قتادة، ائتني بالميضأة" فأتيته بها فقال: حل لي غمري - يعني قدحه - فحللته فأتيته به فجعل يصب ويسقي الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا الملء فكلكم سيصدر عن ري" فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغيره فصب لي فقال: "اشرب يا أبا قتادة" قلت: اشرب أنت يا رسول الله، فقال: "إن ساقي القوم آخرهم شربا" فشربت ثم شرب بعدي وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة   .

أخبرنا علي بن بشران، أخبرنا أبو جعفر الرزاز، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن يزيد، ثنا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة فذكره وفي آخره تصديق عمران بن حصين عبد الله بن رباح في روايته، ورواه سليمان بن المغيرة، عن ثابت فقال فيه: فلما رأى الناس ما في الميضأة تكالبوا عليها، فقال: أحسنوا الملء كلكم سيروى .

التالي السابق


الخدمات العلمية