وله من دعواته واستسقائه واستشفائه وإجابة الله تعالى إياه في جميع ذلك آيات كثيرة ودلالات واضحة، ومعجزاته أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى؛ وإنما نشير هاهنا من كل جنس إلى مقدار ما يتضح به ما قصدناه في هذا الكتاب، وقد روينا أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا جبريل عليه السلام في صورة ودحية غائب [ ص: 297 ] ، ورأى جماعة من المشركين جماعة من الملائكة الذين أمد بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دحية الكلبي بدر، يوم سعد بن أبي وقاص أحد رجلين أحدهما عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن يساره عليهما ثياب بياض يقاتلان عنه أشد القتال ما رآهما قبل ذلك ولا بعده وإذا هما ملكان . ورأى
وأما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوائن أيام حياته وبعد وفاته وظهور صدقه في جميع ذلك فهي كثيرة وهي في كتاب الدلائل منقولة، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر حين كان بمكة بما أفسدت الأرضة من صحيفة قريش ، فأتي بها فوجدت كما قال، وحين أخبر عن مسراه إلى بيت المقدس ، ثم إلى السماوات السبع وكذب فيه؛ أخبر عن عيرهم التي رآها في طريقه: عن قدومها، وعن [ ص: 298 ] نبإ بيت المقدس ، فكان كما قال، وأخبر أصحابه بما وقع لزيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة بمؤتة، ونعاهم قبل أن يجيء خبرهم.
ونعى في اليوم الذي مات فيه، وأخبر عن كتاب النجاشي وأخبر عن أشياء وجد تصديقه في جميعها، ورواية جميع ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب ووعد أمته الفتوح التي وجدت بعده وحذرهم الفتن التي بدت في آخر خلافة عثمان وظهرت عند قتله وبعده، وأخبرهم بمدة بقاء [ ص: 299 ] الخلفاء بعده، وأشار إلى الملوك الذين يكونون بعدهم من حاطب بن أبي بلتعة، بني أمية ، ثم بني العباس فكانوا كما قال وسمى جماعة من أصحابه شهداء ، فأدركوا الشهادة بعده، وأخبر بأن لا يدرك الشهادة غير أنه يموت على الإسلام فكان كما أخبر، عبد الله بن سلام وعن قتل عثمان بن [ ص: 300 ] عفان، وقتل ابن ابنته عمار بن ياسر الحسين بن علي، وإصلاح الحسن بن علي ابن [ ص: 301 ] ابنته بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، فوجد تصديقه في جميع ذلك ، ونعى نفسه إلى ابنته فاطمة ، وأخبر بأنها أول أهله لحوقا به ، فكان كما قال، وبشر أمته بكفاية الله شر الأسود العنسي ومسيلمة الكذابين ، فكان كما أخبر، وذكر أويسا القرني ووصفه بما وجد تصديقه بعده. وأخبر عن البلاء الذي أصاب
وارتد رجل من الأنصار ، ولحق بالكفار وكان قد قرأ البقرة وآل عمران ، ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقبله الأرض" ، فدفن مرارا ، [ ص: 302 ] فلم تقبله الأرض .
ولكل جنس من أجناس دلائل صدقه أشياء ذكرناها في كتاب دلائل النبوة، ومن أراد معرفتها بأسانيدها رجع إليها إن شاء الله تعالى، ولنبينا صلى الله عليه وسلم مرتبة عظيمة ومنزلة شريفة بما كان له من خاتم النبوة ، وكانت له علامة ظاهرة في كتفه عرفه بها أهل الكتاب، وبسائر صفاته التي وجدوه مكتوبا بها في كتبهم ، ثم بما كان من شق قلبه واستخراج حظ الشيطان منه ، وغسله ، وكان أمرا ظاهرا شاهده جماعة كانوا معه، وكان أنس بن مالك يقول: كنت أرى أثر المخيط في صدره.
ثم بما كان له من المعراج ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى [ ص: 303 ] المسجد الأقصى ، ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ، وكان ذلك في اليقظة، وكل ما أخبر عنه من رؤية من رآه تلك الليلة من الملائكة والنبيين والجنة والنار وغير ذلك من آيات ربه كان رؤية عين .