( فصل ) : وكان  من رؤساء  النصارى   الذين دخلوا في الإسلام   لما تبين لهم أنه الحق ، الرئيس المطاع في قومه   عدي بن حاتم الطائي     .  
 [ ص: 266 ] ونحن نذكر قصته كما رواها   الإمام أحمد   والترمذي  والحاكم  وغيرهم . قال   عدي بن حاتم      :  أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فقال القوم : هذا   عدي بن حاتم     - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فلما دفعت إليه أخذ بيدي ، وقد كان قبل ذلك قال : إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي ، قال : فقام ، فلقيته امرأة وصبي معها ، فقالا : إن لنا إليك حاجة ، فقام معهما حتى قضى حاجتها ، ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره فألقت له الوليدة وسادة ، فجلس عليها ، وجلست بين يديه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما يضرك أن تقول لا إله إلا الله ، فهل تعلم من إله سوى الله ، قال : قلت : لا ، ثم تكلم ساعة ، ثم قال : ما تضر أن يقال : الله أكبر وهل تعلم أن شيئا أكبر من الله ؟ قال : قلت لا . قال : فإن  اليهود   مغضوب عليهم وإن  النصارى   ضلال . قال : فقلت : فإني حنيف مسلم ، قال : فرأيت وجهه ينبسط فرحا ، قال : ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من  الأنصار   ، وجعلت أغشاه أي آتيه طرفي النهار ، قال : فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار . قال : فصلى وقام فحث عليهم . ثم قال : ولو بصاع ، ولو بنصف صاع ، ولو بقبضة ، ولو بنصف قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ، ولو بتمرة ، ولو بشق تمرة ، فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم :   [ ص: 267 ] ألم أجعل لك سمعا وبصرا ؟ فيقول : بلى يا رب ، فيقول : ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول : بلى ، فيقول : أين ما قدمت لنفسك ؟ ! فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ، ثم لا يجد شيئا يقي وجهه ، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإني لا أخاف عليكم الفاقة ، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة ، فيما بين  يثرب   والحيرة   أكثر ما يخاف على مطيتها السرق . قال : فجعلت أقول في نفسي فأين لصوص  طي   ؟ . وكان  عدي  مطاعا في قومه بحيث يأخذ المرباع من غنائمهم     .  
وقال   حماد بن زيد  ، عن  أيوب  ، عن   محمد بن سيرين  قال : قال  أبو عبيدة بن حذيفة     : قال   عدي بن حاتم     :  بعث الله  محمدا   صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط ، فخرجت حتى أتيت أقصى أرض العرب مما يلي  الروم   ، ثم كرهت مكاني أشد مما كرهت مكاني الأول ، فقلت : لو أتيت فسمعت منه ، فأتيت  المدينة   فانتشر في الناس ، وقالوا : جاء   [ ص: 268 ]  عدي بن حاتم الطائي     ! فقال : يا  عدي  أسلم تسلم ، فقلت : إني على دين ، قال : أنا أعلم بدينك منك ، قلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : نعم ، قال هذا ثلاثا ، قال : ألست ركوسيا ؟ قلت : بلى ، قال : ألست ترأس قومك ؟ ، قلت : بلى ، قال : ألست تأخذ المرباع ، قلت بلى ، قال : فإن ذلك لا يحل لك في دينك ، قال : فوجدت بها علي غضاضة ، ثم قال : لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى عندنا خصاصة ، وترى الناس علينا ألبا واحدا ، هل رأيت  الحيرة   ؟ قلت : لم أرها وقد علمت مكانها ، قال : فإن الظعينة سترحل من  الحيرة   تطوف بالبيت بغير جوار ، ولتفتحن علينا كنوز   كسرى بن هرمز  ، قلت :   كسرى بن هرمز  ؟ قال : كنوز   كسرى بن هرمز  ، وليفيض المال حتى يهم الرجل من يقبل منه صدقته ، قال : فرأيت الظعينة ترحل من  الحيرة  بغير جوار ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن ، ووالله لتكونن الثالثة . إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم     .  
				
						
						
