الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                لو قال : إن قربتك فعلي صوم شهر كذا فإن كان ذلك الشهر يمضي قبل مضي الأربعة الأشهر لم يكن موليا ; لأنه إذا مضى يمكنه الوطء في المدة من غير شيء يلزمه ، وإن كان لا يمضي قبل مضي الأربعة الأشهر فهو مول ; لأنه لا يمكنه وطؤها في المدة إلا بصيام يلزمه ، ولو قال : إن قربتك فعلي أن أصلي ركعتين أو علي أن أغزو لم يكن موليا في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وعند محمد يكون موليا كذا ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي

                                                                                                                                وذكر القاضي - في شرحه مختصر الطحاوي - الخلاف بين أبي يوسف ، ومحمد ، ولم يذكر قول أبي حنيفة ( وجه ) قول محمد أن الصلاة مما يصح إيجابها بالنذر كالصوم والحج فيصير موليا كما لو قال : علي صوم أو حج وجه قولهما أن هذا لا يصلح مانعا ; لأنه لا يثقل على الطبع بل يسهل ، ولا يعد مانعا في العرف أيضا ألا ترى أن الناس لم يتعارفوا الحلف بالصلاة والغزو بخلاف الحج والصوم ، فلا يصير موليا ، كما لو قال : لله علي صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة .

                                                                                                                                وكذا لا مدخل للصلاة في الكفارة ، ولا تعلق لها بالمال بخلاف الصوم والحج ، ولو قال إن قربتك فعلي كفارة أو قال : فعلي يمين فهو مول ; لأن قوله فعلي كفارة التزام الكفارة نصا ، وقوله : علي يمين موجب اليمين ، وهو الكفارة فكان بمنزلة قوله : فعلي كفارة وقالوا فيمن قال : إن قربتك فعلي نحر ولدي أنه مول عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر بناء على أن النذر بنحر الولد يصح ، ويجب ذبح شاة عندنا ، وعند زفر هو باطل لا يوجب شيئا ولو قال : إن قربتك فأنت علي مثل امرأة فلان ، وفلان كان آلى من امرأته فإن نوى الإيلاء كان موليا ; لأنه شبهها بامرأة آلى منها زوجها لإتيانه بلفظ موضوع للتشبيه فإذا نوى به الإيلاء انصرف التشبيه إليه ، وإن لم ينو التحريم ولا اليمين لم يكن موليا ; لأن التشبيه لا يقتضي المساواة في جميع الصفات وقالوا فيمن قال لامرأته : أنا منك مول إنه إن عنى به الخبر بالكذب يصدق فيما بينه ، وبين الله ولا يكون موليا ; لأن لفظه لفظ الخبر ، وخبر غير المعصوم يحتمل الكذب ، ولا يصدق في القضاء ; لأن خبره يحمل على الصدق ولا يكون صادقا إلا بثبوت المخبر به ، وإن عنى به الإيجاب كان موليا في القضاء ، وفيما بينه ، وبين الله تعالى ; لأن هذا اللفظ يستعمل في الإيجاب في العرف ولو آلى من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك في إيلائها كان باطلا ; لأن الشركة في الإيلاء لو صحت لثبتت الشركة في المدة فيصير لكل واحدة منهما أقل من أربعة أشهر ، وهذا يمنع صحة الإيلاء لما نذكر إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية