الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار فدخلها من غير الباب لم يحنث لعدم الشرط وهو الدخول من الباب فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث لأنه عقد يمينه على الدخول من باب منسوب إلى الدار وقد وجد والباب الحادث كذلك فيحنث ، وإن عنى به الباب الأول يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأن لفظه يحتمله ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر حيث أراد بالمطلق المقيد ، وإن عين الباب فقال لا أدخل من هذا الباب فدخل من باب آخر لا يحنث وهذا مما لا شك فيه لأنه لم يوجد الشرط .

                                                                                                                                ولو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا يسكنها فلان بملك أو إجارة أو إعارة فهو سواء يحنث في يمينه ، ذكر ذلك أبو يوسف ، وذكر محمد في الأصل وضع المسألة في المستأجر وهذا قول أصحابنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : لا يحنث .

                                                                                                                                وجه قوله أن قوله دار فلان إضافة ملك إذ الملك في الدار للآجر وإنما المستأجر ملك المنفعة فلا يتناوله اليمين .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الدار المسكونة بالإجارة والإعارة تضاف إلى المستأجر والمستعير عرفا وعادة والدليل عليه أيضا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { مر بحائط فأعجبه فقال لمن هذا ؟ فقال رافع بن خديج : لي يا رسول الله استأجرته } أضافه إلى نفسه ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبتت الإضافة عرفا وشرعا ، .

                                                                                                                                فأما إذا حلف لا يدخل دارا لفلان فدخل دارا له قد آجرها لغيره قال محمد يحنث لأنه حلف على دار يملكها فلان والملك له سواء كان يسكنها أو لا يسكنها .

                                                                                                                                وروى هشام عن محمد أنه لا يحنث ; لأنها تضاف إلى الساكن بالسكنى فسقط إضافة الملك ، والجواب أنه غير ممتنع أن تضاف دار واحدة إلى المالك بجهة الملك وإلى الساكن بجهة السكنى ; لأن عند اختلاف الجهة تذهب الاستحالة ، فإن قال لا أدخل حانوتا لفلان فدخل حانوتا له قد آجره فإن كان فلان ممن له حانوت يسكنه فإنه لا يحنث بدخول هذا الحانوت ; لأنه [ ص: 39 ] يضاف إلى ساكنه ولا يضاف إلى مالكه ، وإن كان المحلوف عليه لا يعرف بسكنى حانوت يحنث لأنا نعلم أنه أراد به إضافة الملك لا إضافة السكنى كما يقال حانوت الأمير ، وإن كان لا يسكنها الأمير ، وإن حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا بين فلان وبين آخر فإن كان فلان فيها ساكنا حنث ، وإن لم يكن ساكنا لا يحنث ; لأنه إذا كان ساكنا فيها كانت مضافة إليه بالسكنى وإن لم يملك شيئا منها فإذا ملك نصفها أولى وإذا لم يسكن فيها كانت الإضافة إضافة الملك والكل غير مضاف إليه ، وفرق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يزرع أرضا لفلان فزرع أرضا بينه وبين غيره أنه يحنث ; لأن كل جزء من الأرض يسمى أرضا وبعض الدار لا يسمى دارا ، ولو حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له فدخل داره وفلان فيها ساكن لا يحنث حتى يدخل البيت لأن البيت اسم لموضع يبات فيه عادة ولا يبات في صحن الدار عادة فإن نواه يصدق ; لأنه تشدد على نفسه .

                                                                                                                                وقال ابن رستم : قال محمد في رجل حلف لا يدخل دار رجل بعينه مثل دار عمرو بن حريث وغيرها من الدور المشهورة بأربابها فدخل الرجل وقد كان باعها عمرو بن حريث أو غيره ممن تنسب قبل اليمين إليه ثم دخلها الحالف بعد ذلك حنث لأن الدور المشهورة إنما تضاف إلى أربابها على طريق النسبة لا على طريق الملك وزوال الملك لا يوجب بطلان اليمين ، وإن كانت هذه اليمين على دار من هذه الدور التي ليست لها نسبة تعرف بها لم يحنث في يمينه ; لأنه يراد بهذه الإضافة الملك لا النسبة فإذا زال الملك زالت الإضافة .

                                                                                                                                وقال ابن رستم عن محمد في رجل حلف لا يدخل هذه الحجرة فكسرت الحجرة فدخلها بعدما كسرت لا يحنث وليست الحجرة كالدار لأن الحجرة اسم لما حجر بالبناء فكان كالبيت فإذا انهدمت فقد زال الاسم .

                                                                                                                                وقال ابن رستم عن محمد في رجل حلف لا يدخل دار فلان فصعد السطح يحنث ; لأن سطح الدار منها إلا أن يكون نوى صحن الدار فلا يحنث فيما بينه وبين الله ; لأنهم قد يذكرون الدار ويريدون به الصحن دون غيره فقد نوى ما يحتمله كلامه ولو حلف لا يدخل هذا المسجد فصعد فوقه حنث ; لأن سطح المسجد من المسجد ألا ترى لو انتقل المعتكف إليه لا يبطل اعتكافه ؟ فإن كان فوق المسجد مسكن لا يحنث ; لأن ذلك ليس بمسجد ولو انتقل المعتكف إليه بطل اعتكافه ولو حلف لا يدخل هذه الدار إلا مجتازا قال ابن سماعة روي عن أبي يوسف أنه إن دخل وهو لا يريد الجلوس فإنه لا يحنث لأنه عقد يمينه على كل دخول واستثنى دخولا بصفة وهو ما يقصد به الاجتياز وقد دخل على الصفة المستثناة فإن دخل يعود مريضا ومن رأيه الجلوس عنده حنث ; لأنه دخل لا على الصفة المستثناة ، فإن دخل لا يريد الجلوس ثم بدا له بعد ما دخل فجلس لا يحنث لأنه لم يحنث حين دخوله لوجوده على الوصف المستثنى ولم يوجد الدخول بعد ذلك إذ المكث ليس بدخول فلا يحنث وذكر في الأصل إذا حلف لا يدخل هذه الدار إلا عابر سبيل فدخلها ليقعد فيها أو ليعود مريضا فيها أو ليطعم فيها ولم يكن له نية حين حلف فإنه يحنث ولكن إن دخلها مجتازا ثم بدا له فقعد فيها لم يحنث لأن عابر السبيل هو المجتاز فإذا دخلها لغير اجتياز حنث قال إلا أن ينوي لا يدخلها يريد النزول فيها فإن نوى ذلك فإنه يسعه ; لأنه قد يقال دخلت عابر سبيل بمعنى أني لم أدم على الدخول ولم أستتر فقد نوى ما يحتمله كلامه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية