ثم اختلف أهل العلم
nindex.php?page=treesubj&link=12459فيما تنقضي به هذه العدة أنه الحيض أم الأطهار ؟ قال أصحابنا : الحيض .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الأطهار ، وفائدة الاختلاف أن من طلق امرأته في حالة الطهر لا يحتسب بذلك الطهر من العدة عندنا حتى لا تنقضي عدتها ما لم تحض ثلاث حيض بعده ، وعنده يحتسب بذلك الطهر من العدة فتنقضي عدتها بانقضاء ذلك الطهر الذي طلقها فيه ، وبطهر آخر بعده ، والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2، وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7، وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8، وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10، وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11، وعبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=110، وأبي موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=4، وأبي الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=63، وعبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=110، وعبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا : الزوج أحق بمراجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة كما هو مذهبنا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=21، وحذيفة nindex.php?page=showalam&ids=12، وعبد الله بن عمر ، وعائشة رضي الله عنهم مثل قوله ، وحاصل الاختلاف راجع إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=12438القرء المذكور في قوله سبحانه { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ثلاثة قروء } ما هو الحيض أم الطهر فعندنا الحيض ، وعنده الطهر ولا خلاف بين أهل اللغة في أن القرء من الأسماء المشتركة يذكر ، ويراد به الحيض ، ويذكر ، ويراد به الطهر على طريق الاشتراك فيكون حقيقة لكل واحد منهما كما في سائر الأسماء المشتركة من اسم العين ، وغير ذلك ، أما استعماله في الحيض فلقول
[ ص: 194 ] النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15182المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها } أي : أيام حيضها إذ أيام الحيض هي التي تدع الصلاة فيها لا أيام الطهر .
وأما في الطهر فلما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12163إن من السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة أي : طهر } ، وإذا كان الاسم حقيقة لكل واحد منهما على سبيل الاشتراك فيقع الكلام في الترجيح احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1فطلقوهن لعدتهن } وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم العدة بالطهر في ذلك الحديث حيث قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23999فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء } فدل أن العدة بالطهر لا بالحيض ; ولأنه أدخل الهاء في الثلاثة بقوله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ثلاثة قروء } .
وإنما تدخل الهاء في جمع المذكر لا في جمع المؤنث يقال ثلاثة رجال ، وثلاث نسوة ، والحيض مؤنث ، والطهر مذكر فدل أن المراد منها الأطهار ، ; ولأنكم لو حملتم القرء المذكور على الحيض للزمكم المناقضة ; لأنكم قلتم في المطلقة إذا كانت أيامها دون العشرة فانقطع دمها أنه لا تنقضي عدتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، فقد جعلتم العدة بالطهر ، وهذا تناقض .
( ولنا ) الكتاب ، والسنة ، والمعقول أما الكتاب الكريم فقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228، والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } أمر الله تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء ، ولو حمل القرء على الطهر لكان الاعتداد بطهرين ، وبعض الثالث ; لأن بقية الطهر الذي صادفه الطلاق محسوب من الأقراء عنده ، والثلاثة اسم لعدد مخصوص ، والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه فيكون ترك العمل بالكتاب ولو حملناه على الحيض يكون الاعتداد بثلاث حيض كوامل ; لأن ما بقي من الطهر غير محسوب من العدة عندنا فيكون عملا بالكتاب فكان الحمل على ما قلنا أولى ولا يلزم قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الحج أشهر معلومات } أنه ذكر الأشهر ، والمراد منه شهران ، وبعض الثالث ، فكذا القروء جائز أن يراد بها القرءان ، وبعض الثالث ; لأن الأشهر اسم جمع لا اسم عدد واسم الجمع جاز أن يذكر ، ويراد به بعض ما ينتظمه مجازا ولا يجوز أن يذكر الاسم الموضوع لعدد محصور ، ويراد به ما دونه لا حقيقة ولا مجازا .
ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : رأيت ثلاثة رجال ، ويراد به رجلان وجاز أن يقال رأيت رجالا ، ويراد به رجلان مع أن هذا إن كان في حد الجواز ، فلا شك أنه بطريق المجاز ولا يجوز العدول عن الحقيقة من غير دليل ; إذ الحقيقة هي الأصل في حق الأحكام للعمل بها ، وإن كان في حق الاعتقاد يجب التوقف لمعارضة المجاز الحقيقة في الاستعمال ، وفي باب الحج قام دليل المجاز وقوله عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } جعل سبحانه وتعالى الأشهر بدلا عن الأقراء عند اليأس عن الحيض ، والمبدل هو الذي يشترط عدمه لجواز إقامة البدل مقامه فدل أن المبدل هو الحيض فكان هو المراد من القرء المذكور في الآية كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } لما شرط عدم الماء عند ذكر البدل ، وهو التيمم دل أن التيمم بدل عن الماء فكان المراد منه الغسل المذكور في آية الوضوء ، وهو الغسل بالماء .
كذا ههنا .
وأما السنة فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21316طلاق الأمة ثنتان ، وعدتها حيضتان } ، ومعلوم أنه لا تفاوت بين الحرة ، والأمة في العدة فيما يقع به الانقضاء ; إذ الرق أثره في تنقيص العدة التي تكون في حق الحرة لا في تغيير أصل العدة ، فدل أن أصل ما تنقضي به العدة هو الحيض وأما المعقول فهو أن هذه العدة وجبت للتعريف عن براءة الرحم ، والعلم ببراءة الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر فكان الاعتداد بالحيض لا بالطهر .
وأما الآية الكريمة فالمراد من العدة المذكورة فيها عدة الطلاق ، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الطهر عدة الطلاق .
ألا ترى أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23999فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء } ، والكلام في العدة عن الطلاق أنها ما هي وليس في الآية بيانها .
وأما قوله أدخل الهاء في الثلاثة فنعم لكن هذا لا يدل على أن المراد هو الطهر من القروء ; لأن اللغة لا تمنع من تسمية شيء واحد باسم التذكير ، والتأنيث كالبر ، والحنطة فيقال : هذا البر ، وهذه الحنطة ، وإن كانت البر ، والحنطة شيئا واحدا ، فكذا القرء ، والحيض أسماء للدم المعتاد ، وأحد الاسمين مذكر ، وهو القرء فيقال : ثلاثة قروء ، والآخر مؤنث ، وهو الحيض فيقال : ثلاث حيض ، ودعوى التناقض ممنوعة فإن في تلك الصورة الحيض باق ، وإن كان الدم منقطعا ; لأن انقطاع الدم لا ينافي الحيض بالإجماع ; لأن
[ ص: 195 ] الدم لا يدر في جميع الأوقات بل في وقت دون وقت ، واحتمال الدرور في وقت الحيض قائم فإذا لم يجعل ذلك الطهر عدة لا يلزمنا التناقض .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=12459فِيمَا تَنْقَضِي بِهِ هَذِهِ الْعِدَّةُ أَنَّهُ الْحَيْضُ أَمْ الْأَطْهَارُ ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا : الْحَيْضُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : الْأَطْهَارُ ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ لَا يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الطُّهْرِ مِنْ الْعِدَّةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَهُ ، وَعِنْدَهُ يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الطُّهْرِ مِنْ الْعِدَّةِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِانْقِضَاءِ ذَلِكَ الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ ، وَبِطُهْرٍ آخَرَ بَعْدَهُ ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2، وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7، وَعُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=8، وَعَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=10، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=110، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=4، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=63، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ nindex.php?page=showalam&ids=110، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : الزَّوْجُ أَحَقُّ بِمُرَاجَعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ nindex.php?page=showalam&ids=21، وَحُذَيْفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ قَوْلِهِ ، وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12438الْقُرْءَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } مَا هُوَ الْحَيْضُ أَمْ الطُّهْرِ فَعِنْدَنَا الْحَيْضُ ، وَعِنْدَهُ الطُّهْرُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ الْقُرْءَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ يُذْكَرُ ، وَيُرَادُ بِهِ الْحَيْضُ ، وَيُذْكَرُ ، وَيُرَادُ بِهِ الطُّهْرُ عَلَى طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ اسْمِ الْعَيْنِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَيْضِ فَلِقَوْلِ
[ ص: 194 ] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15182الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا } أَيْ : أَيَّامَ حَيْضِهَا إذْ أَيَّامُ الْحَيْضِ هِيَ الَّتِي تَدَعُ الصَّلَاةَ فِيهَا لَا أَيَّامَ الطُّهْرِ .
وَأَمَّا فِي الطُّهْرِ فَلِمَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12163إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً أَيْ : طُهْرٍ } ، وَإِذَا كَانَ الِاسْمُ حَقِيقَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي التَّرْجِيحِ احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23999فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } فَدَلَّ أَنَّ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ لَا بِالْحَيْضِ ; وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْهَاءَ فِي الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْهَاءُ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ لَا فِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ يُقَالُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ ، وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ، وَالْحَيْضُ مُؤَنَّثٌ ، وَالطُّهْرُ مُذَكَّرٌ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْأَطْهَارُ ، ; وَلِأَنَّكُمْ لَوْ حَمَلْتُمْ الْقُرْءَ الْمَذْكُورَ عَلَى الْحَيْضِ لَلَزِمَكُمْ الْمُنَاقَضَةُ ; لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي الْمُطَلَّقَةِ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَانْقَطَعَ دَمُهَا أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، فَقَدْ جَعَلْتُمْ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ .
( وَلَنَا ) الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ، وَلَوْ حُمِلَ الْقُرْءُ عَلَى الطُّهْرِ لَكَانَ الِاعْتِدَادُ بِطُهْرَيْنِ ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ ; لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ الَّذِي صَادَفَهُ الطَّلَاقُ مَحْسُوبٌ مِنْ الْأَقْرَاءِ عِنْدَهُ ، وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ، وَالِاسْمُ الْمَوْضُوعُ لِعَدَدٍ لَا يَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ فَيَكُونُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْحَيْضِ يَكُونُ الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ ; لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الْعِدَّةِ عِنْدَنَا فَيَكُونُ عَمَلًا بِالْكِتَابِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى مَا قُلْنَا أَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَشْهُرَ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ شَهْرَانِ ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ ، فَكَذَا الْقُرُوءُ جَائِزٌ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْقُرْءَانِ ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ ; لِأَنَّ الْأَشْهُرَ اسْمُ جَمْعٍ لَا اسْمُ عَدَدٍ وَاسْمُ الْجَمْعِ جَازَ أَنْ يُذْكَرَ ، وَيُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَا يَنْتَظِمُهُ مَجَازًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ الِاسْمُ الْمَوْضُوعُ لِعَدَدٍ مَحْصُورٍ ، وَيُرَادُ بِهِ مَا دُونَهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : رَأَيْت ثَلَاثَةَ رِجَالٍ ، وَيُرَادُ بِهِ رَجُلَانِ وَجَازَ أَنْ يُقَالَ رَأَيْت رِجَالًا ، وَيُرَادُ بِهِ رَجُلَانِ مَعَ أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ فِي حَدِّ الْجَوَازِ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ; إذْ الْحَقِيقَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لِلْعَمَلِ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ لِمُعَارَضَةِ الْمَجَازِ الْحَقِيقَةَ فِي الِاسْتِعْمَالِ ، وَفِي بَابِ الْحَجِّ قَامَ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ } جَعَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَشْهُرَ بَدَلًا عَنْ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ الْيَأْسِ عَنْ الْحَيْضِ ، وَالْمُبْدَلُ هُوَ الَّذِي يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ لِجَوَازِ إقَامَةِ الْبَدَلِ مَقَامَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْمُبْدَلَ هُوَ الْحَيْضُ فَكَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْقُرْءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } لَمَّا شَرَطَ عَدَمَ الْمَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ الْبَدَلِ ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ دَلَّ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْغُسْلُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ ، وَهُوَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ .
كَذَا هَهُنَا .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21316طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ } ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْحُرَّةِ ، وَالْأَمَةِ فِي الْعِدَّةِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الِانْقِضَاءُ ; إذْ الرِّقُّ أَثَرُهُ فِي تَنْقِيصِ الْعِدَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ لَا فِي تَغْيِيرِ أَصْلِ الْعِدَّةِ ، فَدَلَّ أَنَّ أَصْلَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ هُوَ الْحَيْضُ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعْرِيفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَالْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ فَكَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الطُّهْرَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23999فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } ، وَالْكَلَامُ فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ أَنَّهَا مَا هِيَ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانُهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَدْخَلَ الْهَاءَ فِي الثَّلَاثَةِ فَنَعَمْ لَكِنْ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الطُّهْرُ مِنْ الْقُرُوءِ ; لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِاسْمِ التَّذْكِيرِ ، وَالتَّأْنِيثِ كَالْبُرِّ ، وَالْحِنْطَةِ فَيُقَالُ : هَذَا الْبُرُّ ، وَهَذِهِ الْحِنْطَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْبُرُّ ، وَالْحِنْطَةُ شَيْئًا وَاحِدًا ، فَكَذَا الْقُرْءُ ، وَالْحَيْضُ أَسْمَاءٌ لِلدَّمِ الْمُعْتَادِ ، وَأَحَدُ الِاسْمَيْنِ مُذَكَّرٌ ، وَهُوَ الْقُرْءُ فَيُقَالُ : ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ ، وَالْآخَرُ مُؤَنَّثٌ ، وَهُوَ الْحَيْضُ فَيُقَالُ : ثَلَاثُ حِيَضٍ ، وَدَعْوَى التَّنَاقُضِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الْحَيْضُ بَاقٍ ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُنْقَطِعًا ; لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ لَا يُنَافِي الْحَيْضَ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ
[ ص: 195 ] الدَّمَ لَا يُدَرُّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بَلْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ، وَاحْتِمَالُ الدُّرُورِ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ قَائِمٌ فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ الطُّهْرُ عِدَّةً لَا يَلْزَمُنَا التَّنَاقُضُ .