الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن يلحق المرسل أو الرامي الصيد أو من يقوم مقامه قبل التواري عن عينه أو قبل انقطاع الطلب منه إذا لم يدرك ذبحه فإن توارى عن عينه وقعد عن طلبه ثم وجده لم يؤكل ، فأما إذا لم يتوار عنه أو توارى لكنه لم يقعد عن الطلب حتى وجده يؤكل استحسانا والقياس أنه لا يؤكل .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس أنه يحتمل أن الصيد مات من جراحة كلبه أو من سهمه ويحتمل أنه مات بسبب آخر فلا يحل أكله بالشك .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان ما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالروحاء على حمار وحش عقير فتبادر أصحابه إليه فقال دعوه فسيأتي صاحبه فجاء رجل من فهر فقال : هذه رميتي يا رسول الله وأنا في طلبها وقد جعلتها لك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق } ولأن الضرورة توجب ذلك ; لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه في الصيد فإن العادة أن السهم إذا وقع بالصيد تحامل فغاب وإذا أصاب الكلب الخوف منه غاب فلو اعتبرنا ذلك لأدى ذلك إلى انسداد باب الصيد ووقوع الصيادين في الحرج فسقط اعتبار الغيبة التي لا يمكن التحرز عنها إذا لم يوجد من الصائد تفريط في الطلب لمكان الضرورة والحرج وعند قعوده عن الطلب لا ضرورة فيعمل بالقياس .

                                                                                                                                وقد روي { أن رجلا أهدى إلى النبي عليه الصلاة والسلام صيدا فقال : له من أين لك هذا ؟ فقال : رميته بالأمس وكنت في طلبه حتى هجم علي الليل فقطعني عنه ثم وجدته اليوم ومزراقي فيه فقال : عليه الصلاة والسلام إنه غاب عنك ولا أدري لعل بعض الهوام أعانك عليه لا حاجة لي فيه } بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلة الحكم وهو ما ذكرنا من احتمال موته بسبب آخر وهذا المعنى لا يتحقق فيه إذا لم يقعد عن الطلب وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن ذلك فقال : كل ما أصميت ودع ما أنميت قال أبو يوسف رحمه الله : الإصماء ما عاينه والإنماء ما توارى عنه ، وقال هشام عن محمد رحمه الله الإصماء ما لم يتوار عن بصرك والإنماء ما توارى عن بصرك إلا أنه أقيم الطلب مقام البصر للضرورة ولا ضرورة عند عدم الطلب ولأنه إذا قعد عن طلبه فمن الجائز أنه لو كان طلبه لأدركه حيا فيخرج الجرح من أن يكون ذكاة فلا يحل بالشك بخلاف ما إذا لم يقعد عن طلبه ; لأنه لم يدركه حيا فبقي الجرح ذكاة له والله تعالى عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية