الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن وجوبها نسخ كل دم كان قبلها من العقيقة والرجبية والعتيرة ، كذا حكى أبو بكر الكيساني عن محمد رحمه الله أنه قال : قد كانت في الجاهلية ذبائح يذبحونها .

                                                                                                                                ( منها ) العقيقة كانت في الجاهلية ثم فعلها المسلمون في أول الإسلام فنسخها ذبح الأضحية فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل .

                                                                                                                                ( ومنها ) شاة كانوا يذبحونها في رجب تدعى الرجبية كان أهل البيت يذبحون الشاة فيأكلون ويطبخون ويطعمون فنسخها ذبح الأضحية .

                                                                                                                                ( ومنها ) العتيرة كان الرجل إذا ولدت له الناقة أو الشاة ذبح أول ولد تلده فأكل وأطعم قال محمد رحمه الله : هذا كله كان يفعل في الجاهلية فنسخه ذبح الأضحية ، وقيل في تفسير العتيرة : كان الرجل من العرب إذا نذر نذرا أنه إذا كان كذا أو بلغ شاة كذا فعليه أن يذبح من كل عشر منها كذا في رجب .

                                                                                                                                والعقيقة : الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه وإنما عرفنا انتساخ هذه الدماء بما روي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت : نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ونسخت الأضحية كل ذبح كان قبلها ونسخ غسل الجنابة كل غسل كان قبله والظاهر أنها قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن انتساخ الحكم مما لا يدرك بالاجتهاد .

                                                                                                                                ومنهم من روى هذا الحديث مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها ، وكذا قال أهل التأويل في قوله عز شأنه { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } إن ما أمروا به من تقديم الصدقة على النجوى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ بقوله جل شأنه { وآتوا الزكاة } .

                                                                                                                                وذكر محمد رحمه الله في العقيقة فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل ، وهذا يشير إلى الإباحة فيمنع كونه سنة وذكر في الجامع الصغير ولا يعق عن الغلام ولا عن الجارية وأنه إشارة إلى الكراهة ; لأن العقيقة كانت فضلا ومتى نسخ الفضل لا يبقى إلا الكراهة بخلاف الصوم والصدقة فإنهما كانا من الفرائض لا من الفضائل فإذا نسخت منهما الفرضية يجوز التنفل بهما ، وقال الشافعي رحمه الله : " العقيقة سنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة " واحتج بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين رضي الله عنهما كبشا كبشا } وإنا نقول إنها كانت ثم نسخت بدم الأضحية بحديث سيدتنا عائشة ، رضي الله عنها وكذا روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال : نسخت الأضحية كل دم كان قبلها ، والعقيقة كانت قبلها كالعتيرة وروي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال : إن الله تعالى لا يحب العقوق ; من شاء فليعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة } وهذا ينفي كون العقيقة سنة ; لأنه عليه الصلاة والسلام علق العق بالمشيئة وهذا أمارة الإباحة والله عز شأنه أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية