وأما قوله تعالى { وابن السبيل : } فهو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيا في وطنه ; لأنه فقير في الحال وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { } الحديث : لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله وابن السبيل يجوز عند أصحابنا ، وعند ، ولو صرف إلى واحد من هؤلاء الأصناف لا يجوز إلا أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف واحتج بقوله تعالى { الشافعي إنما الصدقات للفقراء والمساكين } إلى آخر الأصناف أخبر الله تعالى أن الصدقات للأصناف المذكورين في الآية على الشركة فيجب إيصال كل صدقة إلى كل صنف إلا أن الاستيعاب غير ممكن فيصرف إلى ثلاثة من كل صنف إذ الثلاثة أدنى الجمع الصحيح ولنا السنة المشهورة وإجماع الصحابة وعمل الأئمة إلى يومنا هذا والاستدلال أما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى لمعاذ اليمن { } ولم يذكر الأصناف الأخر ، وعن فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم رضي الله عنه أنه قال { أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم مذهبة في ترابها فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين علي الأقرع بن حابس وبين زيد الخيل وبين عيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة فغضبت قريش والأنصار وقالوا : تعطي صناديد أهل نجد ؟ فقال النبي : صلى الله عليه وسلم إنما أتألفهم } ولو كان كل صدقة مقسومة على الثمانية بطريق الاستحقاق لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم المذهبة إلى المؤلفة قلوبهم دون غيرهم . : بعث
وأما إجماع الصحابة فإنه روي عن رضي الله عنه أنه كان إذا جمع صدقات المواشي من البقر والغنم نظر منها ما كان منيحة اللبن فيعطيها لأهل بيت واحد على قدر ما يكفيهم ، وكان يعطي العشرة للبيت الواحد ثم يقول عطية تكفي خير من عطية لا تكفي أو كلام نحو هذا . عمر
وروي عن رضي الله عنه أنه أتى بصدقة فبعثها إلى أهل بيت واحد وعن علي رضي الله عنه أنه قال : هؤلاء أهلها ففي أي صنف وضعتها أجزأك ، وكذا روي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال كذلك . ابن عباس
وأما عمل الأئمة فإنه لم يذكر عن أحد من الأئمة أنه تكلف طلب هؤلاء الأصناف فقسمها بينهم مع ما أنه لو تكلف الإمام أن يظفر بهؤلاء الثمانية ما قدر على [ ص: 47 ] ذلك ، وكذلك لم يذكر عن أحد من أرباب الأموال أنه فرق صدقة واحدة على هؤلاء .
ولو كان الواجب هو القسمة على السوية بينهم لا يحتمل أن يقسموها كذلك ويضيعوا حقوقهم .
وأما الاستدلال فهو أن الله تعالى أمر بصرف الصدقات إلى هؤلاء بأسامي منبئة عن الحاجة فعلم أنه إنما أمر بالصرف إليهم لدفع حاجتهم والحاجة في الكل واحدة وإن اختلفت الأسامي .
وأما الآية ففيها بيان مواضع الصدقات ومصارفها ومستحقيها ; لأن اللام للاختصاص وهو أنهم المختصون بهذا الحق دون غيرهم لا للتسوية لغة إنما الصيغة للشركة والتسوية لغة حرف بين ألا ترى أنه إذا قيل : الخلافة لبني العباس والسدانة لبني عبد الدار والسقاية لبني هاشم يراد به أنهم المختصون بذلك ؟ لا حق فيها لغيرهم ; لأنها بينهم بالحصص بالسوية .
ولو قيل الخلافة بين بني العباس والسدانة بين بني عبد الدار والسقاية بين بني هاشم كان خطأ ; ولهذا قال أصحابنا فيمن قال : مالي لفلان وللموتى أنه كله لفلان ، ولو قال : مالي بين فلان وبين الموتى كان لفلان نصفه ، ولو كان الأمر على ما قاله أن الصدقة تقسم بين الأصناف الثمانية على السوية لقال : إنما الصدقات بين الفقراء الآية ، فإن قيل أليس أن من قال : ثلث مالي لفلان وفلان أنه يقسم بينهما بالسوية كما إذا قال : ثلث مالي بين فلان وفلان ، والجواب أن الاشتراك هناك ليس موجب الصيغة إذ الصيغة لا توجب الاشتراك والتسوية بينهما بل موجب الصيغة ما قلنا ، إلا أن في باب الوصية لما جعل الثلث حقا لهما دون غيرهما وهو شيء معلوم لا يزيد بعد الموت ولا يتوهم له عدد وليس أحدهما بأولى من الآخر فقسم بينهما على السواء نظرا لهما جميعا فأما الصدقات فليست بأموال متعينة لا تحتمل الزيادة والمدد حتى يحرم البعض بصرفها إلى البعض بل يردف بعضها بعضا ، وإذا فني مال يجيء مال آخر وإذا مضت سنة تجيء سنة أخرى بمال جديد ولا انقطاع للصدقات إلى يوم القيامة ، فإذا صرف الإمام صدقة يأخذها من قوم إلى صنف منهم لم يثبت الحرمان للباقين بل يحمل إليه صدقة أخرى فيصرف إلى فريق آخر فلا ضرورة إلى الشركة والتسوية في كل مال يحمل إلى الإمام من الصدقات والله أعلم . الشافعي