ذكر ملك  صلاح الدين  ميافارقين   
لما سار  صلاح الدين  إلى خلاط  جعل طريقه على ميافارقين  مطمع ملكها ، حيث كان صاحبه  قطب الدين  ، صاحب ماردين  ، قد توفي كما ذكرنا ، وملك بعده ابنه ، وهو طفل ، وكان حكمها إلى  شاه أرمن  ، وعسكره فيها . 
فلما توفي طمع في أخذها ، فلما نازلها رآها مشحونة بالرجال ، وبها زوجة  قطب الدين  المتوفى ، ومعها بنات لها منه ، وهي أخت  نور الدين محمد  ، صاحب الحصن  ، فأقام  صلاح الدين  عليها يحصرها من أول جمادى الأولى . 
وكان المقدم على أجنادها أميرا اسمه  يرنقش  ، ولقبه  أسد الدين  ، وكان شجاعا شهما ، يحفظ البلد ، فأحسن إليه ، واشتد القتال عليه ونصبت المجانيق   [ ص: 9 ] والعرادات ، فلم يصل  صلاح الدين  إلى ما يريد منها . 
فلما رأى ذلك عدل عن القوة والحرب إلى إعمال الحيلة ، فراسل امرأة  قطب الدين  المقيمة بالبلد يقول لها : إن  أسد الدين يرنقش  قد مال إلينا في تسليم البلد ونحن نرعى حق أخيه  نور الدين  فيك بعد وفاته ، ونريد أن يكون لك في هذا الأمر نصيب ، وأنا أزوج بناتك بأولادي وتكون ميافارقين  وغيرها لك وبحكمك . 
ووضع من أرسل إلى  أسد  يعرفه أن  الخاتون  قد مالت للمقاربة والانقياد إلى السلطان ، وأن من بخلاط  قد كاتبوه ليسلموا إليه ، فخذ لنفسك . 
واتفق أن رسولا وصله من خلاط  ، يبذلون له الطاعة ، وقالوا له من الاستدعاء إليهم ما كانوا يقولونه ، فأمر  صلاح الدين  الرسول ، فدخل إلى ميافارقين  ، وقال لأسد    : أنت عمن تقاتل ، وأنا قد جئت في تسليم خلاط  إلى  صلاح الدين     ! فسقط في يده ، وضعفت نفسه . 
وأرسل يقترح أقطاعا ومالا ، فأجيب إلى ذلك ، وسلم البلد سلخ جمادى الأولى ، وعقد النكاح لبعض أولاده على بعض بنات  الخاتون  ، وأقر بيدها قلعة الهتاخ  لتكون فيها هي وبناتها . 
				
						
						
