ذكر عزل ولد  بكتمر  صاحب خلاط  وملك بلبان  ومسير صاحب ماردين  إلى خلاط  وعوده  
وفي هذه السنة قبض عسكر خلاط  على صاحبها ولد  بكتمر  ، وملكها  بلبان  مملوك  شاه أرمن بن سكمان  ، وكتب أهل خلاط   إلى  ناصر الدين أرتق بن إيلغازي بن البي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق  يستدعونه إليها . 
وسبب ذلك أن ولد  بكتمر  كان صبيا جاهلا ، فقبض على الأمير (  شجاع الدين قتلغ  ، مملوك من مماليك  شاه أرمن     ) ، وهو كان أتابكه ، ومدبر بلاده ، وكان حسن السيرة مع الجند والرعية ، فلما قتله اختلفت الكلمة عليه من الجند والعامة ، واشتغل هو باللهو واللعب وإدمان الشرب ، فكاتب جماعة من عامة خلاط  ، وجماعة من جند  ناصر الدين  ، صاحب ماردين  ، يستدعونه إليهم ، وإنما كاتبوه دون غيره من الملوك لأن أباه  قطب الدين إيلغازي  كان ابن أخت  شاه أرمن بن سكمان  ، وكان  شاه أرمن  قد حلف له الناس في حياته لأنه لم يكن له ولد ، فلما تجددت بعده هذه الحادثة تذاكروا تلك الأيمان ، وقالوا : نستدعيه ونملكه ، فإنه من أهل بيت  شاه أرمن  ، فكاتبوه وطلبوه إليهم . 
ثم إن بعض مماليك  شاه أرمن  ، اسمه  بلبان  ، وكان قد جاهر ولد  بكتمر  بالعداوة والعصيان ، سار من خلاط  إلى ملازكرد  وملكها ، واجتمع الأجناد عليه ، وكثر جمعه ، وسار إلى خلاط  فحصرها ، واتفق وصول صاحب ماردين  إليها ، وهو يظن أن أحدا لا يمتنع عليه ، ويسلمون إليه المدينة ، فنزل قريبا من خلاط  عدة أيام ، فأرسل إليه  بلبان  يقول له : إن أهل خلاط   قد اتهموني بالميل إليك ، وهم ينفرون من العرب ، والرأي أنك ترحل عائدا مرحلة واحدة وتقيم ، فإذا تسلمت البلد سلمته إليك ، لأنني لا يمكنني أن أملكه أنا . 
 [ ص: 248 ] ففعل صاحب ماردين  ذلك ، فلما أبعد عن خلاط  أرسل إليه يقول له : تعود إلى بلدك ، وإلا جئت إليك وأوقعت بك وبمن معك . وكان في قلة من الجيش ، فعاد إلى ماردين    . 
وكان   الملك الأشرف موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب  ، صاحب حران  وديار الجزيرة  ، قد أرسل إلى صاحب ماردين  ، لما سمع أنه يريد قصد خلاط  ، يقول له : إن سرت إلى خلاط  قصدت بلدك ، وإنما خاف أن يملك خلاط  فيقوى عليهم ، فلما سار إلى خلاط  جمع  الأشرف  العساكر وسار إلى ولاية ماردين  ، فأخذ دخلها ، وأقام  بدنيسر  يجبي الأموال إليه ، فلما فرغ منه عاد إلى حران  ، فكان مثل صاحب ماردين  كما قيل : خرجت النعامة تطلب قرنين فعادت بلا أذنين . 
وأما  بلبان  فإنه جمع العسكر وحشد ، وحصر خلاط  وضيق على أهلها ، وبها ولد  بكتمر  ، فجمع من عنده بالبلد من الأجناد والعامة ، وخرج إليه ، فالتقوا ، فانهزم  بلبان  ومن معه من بين يديه ، وعاد إلى الذي بيده من البلاد ، وهو : ملازكرد  وأرجيش  وغيرهما من الحصون ، وجمع العساكر ، واستكثر منها ، وعاود حصار خلاط  وضيق على أهلها ، فاضطرهم إلى خذلان ولد  بكتمر  لصغره ، وجهله بالملك ، واشتغاله بلهوه ولعبه ، ثم قبضوا عليه في القلعة ، وأرسلوا إلى  بلبان  وحلفوه على ما أرادوا ، وسلموا إليه البلد  وابن بكتمر  ، واستولى على جميع أعمال خلاط  ، وسجن  ابن بكتمر  في قلعة هناك ، واستقر ملكه ، فسبحان من إذا أراد أمرا هيأ أسبابه ; بالأمس يقصدها  شمس الدين محمد البهلوان   وصلاح الدين يوسف بن أيوب  فلم يقدر أحدهما عليها ، والآن يظهر هذا المملوك العاجز ، القاصر عن الرجال والبلاد والأموال ، فيملكها صفوا عفوا . 
ثم إن  نجم الدين أيوب بن العادل  ، صاحب ميافارقين  ، سار نحو ولاية خلاط  وكان قد استولى [ على ] عدة حصون من أعمالها منها : حصن موسى  ومدينته ، فلما قارب خلاط  أظهر له  بلبان  العجز عن مقابلته ، فطمع ، وأوغل في القرب ، فأخذ عليه  بلبان  الطريق وقاتله فهزمه ، ولم يفلت من أصحابه إلا القليل وهم جرحى ، وعاد إلى ميافارقين    . 
				
						
						
