ذكر انهزام  بدر الدين  من  مظفر الدين   
لما توفي  نور الدين  ، وملك أخوه  ناصر الدين  ، تجدد  لمظفر الدين  ولعماد الدين  طمع لصغر سن  ناصر الدين  ، فجمعا الرجال وتجهزا للحركة ، فظهر ذلك ، وقصد بعض أصحابهم طرف ولاية الموصل  بالنهب والفساد . 
وكان  بدر الدين  قد سير ولده الأكبر في جمع صالح من العسكر إلى   الملك الأشرف  بحلب  ، نجدة له بسبب اجتماع الفرنج بمصر  ، وهو يريد أن يدخل بلاد الفرنج التي بساحل الشام  ينهبها ، ويخربها ، ليعود بعض من بدمياط  إلى بلادهم ، فيخف الأمر على  الملك الكامل  ، صاحب مصر  ، فلما رأى  بدر الدين  تحرك  مظفر الدين  وعماد الدين  ، وأن بعض عسكره بالشام  ، أرسل إلى عسكر   الملك الأشرف  الذي بنصيبين  يستدعيهم ليعتضد بهم ، وكان المقدم عليهم  مملوك الأشرف ، اسمه أيبك  ، فساروا إلى الموصل  رابع رجب سنة ست عشرة . 
فلما رآهم  بدر الدين  استقلهم لأنهم كانوا أقل من العسكر الذي له بالشام  ، أو مثلهم فألح  أيبك  على عبور دجلة  وقصد بلاد إربل  ، فمنعه  بدر الدين  من مثل ذلك وأمره بالاستراحة ، فنزل بظاهر الموصل  أياما ، وأصر على عبور دجلة  ، فعبرها  بدر الدين  موافقة له ، ونزلوا على فرسخ من الموصل  شرقي دجلة  ، فلما سمع  مظفر الدين  ذلك جمع عسكره ، وسار إليهم ومعه  زنكي  ، فعبر الزاب  وسبق خبره ، فسمع به  بدر الدين  فعبأ أصحابه ، وجعل  أيبك  في الجالشية ومعه شجعان أصحابه ، وأكثر معه منهم ، بحيث أنه لم يبق معه إلا اليسير ، وجعل في ميسرته أميرا كبيرا وطلب الانتقال عنها إلى الميمنة فنقله . 
فلما كان وقت العشاء الآخرة أعاد ذلك الأمير الطلب بالانتقال من الميمنة   [ ص: 319 ] إلى الميسرة ، والخصم بالقرب منهم ، فمنعه  بدر الدين  ، وقال متى انتقلت أنت ومن معك في هذا الليل ، ربما ظنه الناس هزيمة فلا يقف أحد ، فأقام بمكانه ، وهو بجمع كبير من العسكر ، فلما انتصف الليل سار أيبك ، فأمره  بدر الدين  بالمقام إلى الصبح لقرب العدو منهم ، فلم يقبل لجهله بالحرب ، فاضطر الناس لاتباعه ، فتقطعوا في الليل والظلمة والتقوا هم والخصم في العشرين من رجب على ثلاثة فراسخ من الموصل  ، فأما  عز الدين  فإنه تيامن والتحق بالميمنة وحمل في اطلابه هو والميمنة على ميسرة  مظفر الدين  فهزمها وبها  زنكي     . 
وكان الأمير الذي انتقل إلى الميمنة قد أبعد عنها ، فلم يقاتل ، فلما رأى أيبك قد هزم الميسرة تبعه والتحق به ، وانهزمت ميسرة  بدر الدين  ، فبقي هو في النفر الذين معه ، فتقدم إليه  مظفر الدين  فيمن معه في القلب لم يتفرقوا فلم يمكنه الوقوف فعاد إلى الموصل  ، وعبر دجلة  إلى القلعة ، ونزل منها إلى البلد ، فلما رآه الناس فرحوا به ، وساروا معه ، وقصد باب الجسر ، والعدو بإزائه ، بينهما دجلة  ، فنزل  مظفر الدين  فيمن سلم معه من عسكره وراء تل حصن نينوى ، فأقام ثلاثة أيام . 
فلما رأى اجتماع العسكر البدري بالموصل  ، وأنهم لم يفقد منهم إلا اليسير ، وبلغه الخبر أن  بدر الدين  يريد العبور إليه ليلا بالفارس والراجل ، على الجسور وفي السفن ، ويكبسه ، رحل ليلا من غير أن يضرب كوسا أو بوقا ، وعادوا نحو إربل  ، فلما عبروا الزاب  نزلوا ، ثم جاءت الرسل وسعوا في الصلح ، فاصطلحوا على أن كل من بيده شيء هو له وتقررت العهود والأيمان على ذلك . 
				
						
						
