ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33883خروج التتر إلى تركستان وما وراء النهر وما فعلوه
في هذه السنة ظهر
التتر إلى بلاد الإسلام ، وهم نوع كثير من
الترك ، ومساكنهم
جبال طمغاج من نحو
الصين ، وبينها وبين بلاد الإسلام ما يزيد على ستة أشهر .
وكان السبب في ظهورهم أن ملكهم ، ويسمى
بجنكزخان ، المعروف
[ ص: 336 ] بتمرجين ، كان قد فارق بلاده وسار إلى نواحي
تركستان ، وسير جماعة من التجار
والأتراك ، ومعهم كثير من النقرة والقندز وغيرهما ، إلى
بلاد ما وراء النهر سمرقند وبخارى ليشتروا له ثيابا للكسوة ، فوصلوا إلى مدينة من بلاد
الترك تسمى أوترار ، وهي آخر ولاية
خوارزم شاه ، وكان له نائب هناك ، فلما ورد عليه هذه الطائفة من
التتر أرسل إلى
خوارزم شاه يعلمه بوصولهم ويذكر له ما معهم من الأموال ، فبعث إليه
خوارزم شاه يأمره بقتلهم وأخذ ما معهم من الأموال وإنفاذه إليه ، فقتلهم ، وسير ما معهم ، وكان شيئا كثيرا ، فلما وصل إلى
خوارزم شاه فرقه على تجار
بخارى ،
وسمرقند ، وأخذ ثمنه منهم .
وكان بعد أن ملك
ما وراء النهر من الخطا قد سد الطرق عن بلاد
تركستان وما بعدها من البلاد ، وإن طائفة من
التتر أيضا كانوا قد خرجوا قديما والبلاد
للخطا ، فلما ملك
خوارزم شاه البلاد بما وراء النهر من
الخطا ، وقتلهم ، واستولى هؤلاء
التتر على
تركستان :
كاشغار ،
وبلاساغون وغيرهما ، وصاروا يحاربون عساكر
خوارزم شاه ، فلذلك منع الميرة عنهم من الكسوات وغيرها .
وقيل في سبب خروجهم إلى بلاد الإسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر :
فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
فلما قتل نائب
خوارزم شاه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان أرسل جواسيس إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان لينظر ما هو ، وكم مقدار ما معه من
الترك ، وما يريد أن يعمل ، فمضى الجواسيس ، وسلكوا المفازة والجبال التي على طريقهم ، حتى وصلوا إليه ، فعادوا بعد مدة طويلة ، وأخبروه بكثرة عددهم ، وأنهم يخرجون عن الإحصاء ، وأنهم من أصبر خلق الله على القتال لا يعرفون هزيمة ، وأنهم يعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيديهم ، فندم
خوارزم شاه على قتل أصحابهم وأخذ أموالهم ، وحصل عنده فكر زائد ، فأحضر
الشهاب الخيوفي ، وهو فقيه فاضل ، كبير المحل عنده ، لا يخالف ما يشير به ، فحضر
[ ص: 337 ] عنده ، فقال له : قد حدث أمر عظيم لا بد من الفكر فيه وأخذ رأيك في الذي نفعله ، وذاك أنه قد تحرك إلينا خصم من ناحية
الترك في كثرة لا تحصى .
فقال له : في عساكرك كثرة ونكاتب الأطراف ، ونجمع العساكر ، ويكون النفير عاما ، فإنه يجب على المسلمين كافة مساعدتك بالمال والنفس ، ثم نذهب بجميع العساكر إلى جانب
سيحون ، وهو نهر كبير يفصل بين بلاد
الترك وبلاد الإسلام ، فنكون هناك ، فإذا جاء العدو ، وقد سار مسافة بعيدة ، لقيناه ونحن مستريحون ، وهو وعساكره قد مسهم النصب والتعب .
فجمع
خوارزم شاه أمراءه ومن عنده من أرباب المشورة ، فاستشارهم ، فلم يوافقوه على رأيه ، بل قالوا : الرأي أن نتركهم يعبرون
سيحون إلينا ، ويسلكون هذه الجبال والمضايق ، فإنهم جاهلون بطرقهم ، ونحن عارفون بها ، فنقوى حينئذ عليهم ، ونهلكهم فلا ينجو منهم أحد .
فبينما هم كذلك إذ ورد رسول من هذا اللعين
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان معه جماعة يتهدد
خوارزم شاه ، ويقول : تقتلون أصحابي وتجاري وتأخذون مالي منهم ! استعدوا للحرب فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان قد سار إلى
تركستان ، فملك
كاشغار ،
وبلاساغون ، وجميع تلك البلاد ، وأزال عنها
التتر الأولى ، فلم يظهر لهم خبر ، ولا بقي لهم ، بل بادوا كما أصاب
الخطا ، وأرسل الرسالة المذكورة إلى
خوارزم شاه ، فلما سمعها
خوارزم شاه أمر بقتل رسوله ، فقتل ، وأمر بحلق لحى الجماعة الذين كانوا معه ، وأعادهم إلى صاحبهم
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان يخبرونه بما فعل بالرسول . ويقولون له : إن
خوارزم شاه يقول لك : أنا سائر إليك ولو أنك في آخر الدنيا ، حتى أنتقم ، وأفعل بك كما فعلت بأصحابك .
وتجهز
خوارزم شاه ، وسار بعد الرسول مبادرا ليسبق خبره ويكبسهم ، فأدمن السير ، فمضى ، وقطع مسيرة أربعة أشهر ، فوصل إلى بيوتهم ، فلم ير فيها إلا النساء
[ ص: 338 ] والصبيان والأثقال ، فأوقع بهم وغنم الجميع ، وسبى النساء والذرية .
وكان سبب غيبة الكفار عن بيوتهم أنهم ساروا إلى محاربة ملك من ملوك
الترك يقال له
كشلوخان ، فقاتلوه ، وهزموه وغنموا أمواله وعادوا ، فلقيهم في الطريق الخبر بما فعل
خوارزم شاه بمخلفيهم ، فجدوا السير ، فأدركوه قبل أن يخرج عن بيوتهم ، وتصافوا للحرب ، واقتتلوا قتالا لم يسمع بمثله ، فبقوا في الحرب ثلاثة أيام بلياليها ، فقتل من الطائفتين ما لا يعد ، ولم ينهزم أحد منهم .
أما المسلمون فإنهم صبروا حمية للدين وعلموا أنهم إن انهزموا لم يبق للمسلمين باقية ، وأنهم يؤخذون لبعدهم عن بلادهم .
وأما الكفار فصبروا لاستنقاذ أهليهم وأموالهم ، واشتد بهم الأمر ، حتى إن أحدهم كان ينزل عن فرسه ويقاتل قرنه راجلا ، ويتضاربون بالسكاكين ، وجرى الدم على الأرض ، حتى صارت الخيل تزلق من كثرته ، واستنفد الطائفتان وسعهم في الصبر والقتال . هذا القتال جميعه مع
ابن جنكزخان ولم يحضر أبوه الوقعة ، ولم يشعر بها ، فأحصي من قتل من المسلمين في هذه الوقعة فكانوا عشرين ألفا ، وأما من الكفار فلا يحصى من قتل منهم .
فلما كان الليلة الرابعة افترقوا فنزل بعضهم مقابل بعض ، فلما أظلم الليل أوقد الكفار نيرانهم وتركوها بحالها وساروا وكذلك فعل المسلمون أيضا ، كل منهم سئم القتال ; فأما الكفار فعادوا إلى ملكهم
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان ، وأما المسلمون فرجعوا إلى
بخارى فاستعد للحصار لعلمه بعجزه . لأن طائفة عسكره لم يقدر
خوارزم شاه على أن يظفر بهم ، فكيف إذا جاءوا جميعهم مع ملكهم ؟ فأمر
أهل بخارى وسمرقند بالاستعداد للحصار ، وجمع الذخائر للامتناع ، وجعل في
بخارى عشرين ألف فارس من العسكر يحمونها ، وفي
سمرقند خمسين ألفا ، وقال لهم : احفظوا البلد حتى أعود إلى
خوارزم وخراسان وأجمع العساكر وأستنجد بالمسلمين وأعود إليكم .
فلما فرغ من ذلك رحل عائدا إلى
خراسان فعبر
جيحون ، ونزل بالقرب من
بلخ فعسكر هناك .
[ ص: 339 ] وأما الكفار فإنهم رحلوا بعد أن استعدوا يطلبون
ما وراء النهر ، فوصلوا إلى
بخارى بعد خمسة أشهر من وصول
خوارزم شاه ، وحصروها ، وقاتلوها ثلاثة أيام قتالا شديدا متتابعا فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة ففارقوا البلد عائدين إلى
خراسان ، فلما أصبح أهل البلد وليس عندهم من العسكر أحد ضعفت نفوسهم ، فأرسلوا القاضي ، وهو
بدر الدين قاضي خان ليطلب الأمان للناس ، فأعطوهم الأمان .
وكان قد بقي من العسكر طائفة لم يمكنهم الهرب مع أصحابهم . فاعتصموا بالقلعة ، فلما أجابهم
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان إلى الأمان فتحت أبواب المدينة يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة من سنة ست عشرة وستمائة ، فدخل الكفار
بخارى ولم يتعرضوا لأحد ، بل قالوا لهم : كل ما هو للسلطان عندكم من ذخيرة وغيره أخرجوه إلينا ، وساعدونا على قتال من بالقلعة ، وأظهروا عندهم العدل وحسن السيرة ، ودخل
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان بنفسه وأحاط بالقلعة ، ونادى في البلد بأن لا يتخلف أحد ومن تخلف قتل ، فحضروا جميعهم ، فأمرهم بطم الخندق ، فطموه بالأخشاب والتراب وغير ذلك ، حتى إن الكفار كانوا يأخذون المنابر وربعات القرآن فيلقونها في الخندق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وبحق سمى الله نفسه صبورا حليما ، وإلا كان خسف بهم الأرض عند فعل مثل هذا .
ثم تابعوا الزحف إلى القلعة وبها نحو أربع مائة فارس من المسلمين ، فبذلوا جهدهم ، ومنعوا القلعة اثني عشر يوما يقاتلون جمع الكفار وأهل البلد ، فقتل بعضهم ، ولم يزالوا كذلك حتى زحفوا إليهم ، ووصل النقابون إلى سور القلعة فنقبوه ، واشتد حينئذ القتال ، ومن بها من المسلمين يرمون ما يجدون من حجارة ونار وسهام ، فغضب اللعين ، ورد أصحابه ذلك اليوم ، وباكرهم من الغد ، فجدوا في القتال ، وقد تعب من بالقلعة ونصبوا ، وجاءهم ما لا قبل لهم به ، فقهرهم الكفار ودخلوا القلعة ، وقاتلهم المسلمون الذين فيها حتى قتلوا عن آخرهم ، فلما فرغ من القلعة نادى أن يكتب له وجوه الناس ورؤساؤهم ، ففعلوا ذلك ، فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم
[ ص: 340 ] فحضروا ، فقال : أريد منكم النقرة التي باعكم
خوارزم شاه ، فإنها لي ، ومن أصحابي أخذت ، وهي عندكم .
فأحضر كل من كان عنده شيء منها بين يديه ، ثم أمرهم بالخروج من البلد ، فخرجوا من البلد مجردين من أموالهم ، ليس مع أحد منهم غير ثيابه التي عليه ، ودخل الكفار البلد فنهبوه وقتلوا من وجدوا فيه ، وأحاط بالمسلمين ، فأمر أصحابه أن يقتسموهم ، فاقتسموهم .
وكان يوما عظيما من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان ، وتفرقوا أيدي سبا ، وتمزقوا كل ممزق ، واقتسموا النساء أيضا ، وأصبحت
بخارى خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس ، وارتكبوا من النساء العظيم ، والناس ينظرون ويبكون ، ولا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئا مما نزل بهم ، فمنهم من لم يرض بذلك ، واختار الموت على ذلك ، فقاتل حتى قتل ، وممن فعل ذلك واختار أن يقتل ولا يرى ما نزل بالمسلمين ، الفقيه
الإمام ركن الدين إمام زاده وولده ، فإنهما لما رأيا ما يفعل بالحرم قاتلا حتى قتلا .
وكذلك فعل
القاضي صدر الدين خان ، ومن استسلم أخذ أسيرا ، وألقوا النار في البلد ، والمدارس ، والمساجد ، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال ، ثم رحلوا نحو
سمرقند وقد تحققوا عجز
خوارزم شاه عنهم ، وهم بمكانه بين
ترمذ وبلخ ، واستصحبوا معهم من سلم من
أهل بخارى أسارى ، فساروا بهم مشاة على أقبح صورة ، فكل من أعيا وعجز عن المشي قتلوه ، فلما قاربوا
سمرقند قدموا الخيالة ، وتركوا الرجالة والأسارى والأثقال وراءهم ، حتى تقدموا شيئا فشيئا ليكون أرعب لقلوب المسلمين ، فلما رأى أهل البلد سوادهم استعظموه .
فلما كان اليوم الثاني وصل الأسارى والرجالة والأثقال ، ومع كل عشرة من الأسارى علم ، فظن أهل البلد أن الجميع عساكر مقاتلة ، وأحاطوا بالبلد وفيه خمسون ألف مقاتل من الخوارزمية ، وأما عامة البلد فلا يحصون كثرة ، فخرج إليهم شجعان أهله ، وأهل الجلد والقوة رجالة ، ولم يخرج معهم من العسكر الخوارزمي أحد لما في قلوبهم من خوف هؤلاء الملاعين ، فقاتلهم الرجالة بظاهر البلد فلم يزل
التتر [ ص: 341 ] يتأخرون ، وأهل البلد يتبعونهم ، ويطمعون فيهم ، وكان الكفار قد كمنوا لهم كمينا ، فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم وحال بينهم وبين البلد ، ورجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولا ، فبقوا في الوسط ، وأخذهم السيف من كل جانب ، فلم يسلم منهم أحد ، قتلوا عن آخرهم شهداء ، رضي الله عنهم ، وكانوا سبعين ألفا على ما قيل .
فلما رأى الباقون من الجند والعامة ذلك ضعفت نفوسهم وأيقنوا بالهلاك ، فقال الجند ، وكانوا أتراكا : نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلوننا ، فطلبوا الأمان ، فأجابوهم إلى ذلك ، ففتحوا أبواب البلد ، ولم يقدر العامة على منعهم ، وخرجوا إلى الكفار بأهلهم وأموالهم ، فقال لهم الكفار : ادفعوا إلينا سلاحكم وأموالكم ودوابكم ونحن نسيركم إلى مأمنكم ، ففعلوا ذلك ، فلما أخذوا أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف فيهم وقتلوهم عن آخرهم ، وأخذوا أموالهم ودوابهم ونساءهم .
فلما كان اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم ، ومن تأخر قتلوه ، فخرج جميع الرجال والنساء والصبيان ، ففعلوا مع
أهل سمرقند مثل فعلهم مع
أهل بخارى من النهب ، والقتل ، والسبي ، والفساد ، ودخلوا البلد فنهبوا ما فيه ، وأحرقوا الجامع وتركوا باقي البلد على حاله ، وافتضوا الأبكار ، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال ، وقتلوا من لم يصلح للسبي ، وكان ذلك في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة .
وكان
خوارزم شاه بمنزلته كلما اجتمع إليه عسكر سيره إلى
سمرقند ، فيرجعون ولا يقدرون على الوصول إليها ، نعوذ بالله من الخذلان ; سير عشرة آلاف فارس فعادوا كالمنهزمين من غير قتال ، وسير عشرين ألفا فعادوا أيضا .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33883خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا فَعَلُوهُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ
التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ ، وَهُمْ نَوْعٌ كَثِيرٌ مِنَ
التُّرْكِ ، وَمَسَاكِنُهُمْ
جِبَالُ طَمْغَاجَ مِنْ نَحْوِ
الصِّينِ ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
وَكَانَ السَّبَبُ فِي ظُهُورِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمْ ، وَيُسَمَّى
بِجِنْكِزْخَانْ ، الْمَعْرُوفِ
[ ص: 336 ] بِتَمُرْجِينَ ، كَانَ قَدْ فَارَقَ بِلَادَهُ وَسَارَ إِلَى نَوَاحِي
تُرْكِسْتَانَ ، وَسَيَّرَ جَمَاعَةً مِنَ التُّجَّارِ
وَالْأَتْرَاكِ ، وَمَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النُّقْرَةِ وَالْقُنْدُزِ وَغَيْرِهِمَا ، إِلَى
بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى لِيَشْتَرُوا لَهُ ثِيَابًا لِلْكُسْوَةِ ، فَوَصَلُوا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ بِلَادِ
التُّرْكِ تُسَمَّى أَوَتُرَارَ ، وَهِيَ آخِرُ وِلَايَةِ
خُوَارَزْم شَاهْ ، وَكَانَ لَهُ نَائِبٌ هُنَاكَ ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنَ
التَّتَرِ أَرْسَلَ إِلَى
خُوَارَزْم شَاهُ يُعْلِمُهُ بِوُصُولِهِمْ وَيَذْكُرُ لَهُ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
خُوَارَزْم شَاهْ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَإِنْفَاذِهِ إِلَيْهِ ، فَقَتْلَهُمْ ، وَسَيَّرَ مَا مَعَهُمْ ، وَكَانَ شَيْئًا كَثِيرًا ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى
خُوَارَزْم شَاهْ فَرَّقَهُ عَلَى تُجَّارِ
بُخَارَى ،
وَسَمَرْقَنْدَ ، وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُمْ .
وَكَانَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ
مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنَ الْخَطَا قَدْ سَدَّ الطُّرُقَ عَنْ بِلَادِ
تُرْكِسْتَانَ وَمَا بَعْدَهَا مِنِ الْبِلَادِ ، وَإِنَّ طَائِفَةً مِنَ
التَّتَرِ أَيْضًا كَانُوا قَدْ خَرَجُوا قَدِيمًا وَالْبِلَادُ
لَلْخَطَا ، فَلَمَّا مَلَكَ
خُوَارَزْم شَاهْ الْبِلَادَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنَ
الْخَطَا ، وَقَتَلَهُمْ ، وَاسْتَوْلَى هَؤُلَاءِ
التَّتَرُ عَلَى
تُرْكِسْتَانَ :
كَاشْغَارَ ،
وَبَلَاسَاغُونَ وَغَيْرِهِمَا ، وَصَارُوا يُحَارِبُونَ عَسَاكِرَ
خُوَارَزْم شَاهْ ، فَلِذَلِكَ مَنَعَ الْمِيرَةَ عَنْهُمْ مِنِ الْكِسْوَاتِ وَغَيْرِهَا .
وَقِيلَ فِي سَبَبِ خُرُوجِهِمْ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُذْكَرُ فِي بُطُونِ الدَّفَاتِرَ :
فَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا لَسْتُ أَذْكُرُهُ فَظُنَّ خَيْرًا وَلَا تَسْأَلَ عَنِ الْخَبَرِ
فَلَمَّا قَتَلَ نَائِبُ
خُوَارَزْم شَاهْ أَصْحَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ أَرْسَلَ جَوَاسِيسَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ لِيَنْظُرَ مَا هُوَ ، وَكَمْ مِقْدَارُ مَا مَعَهُ مِنَ
التُّرْكِ ، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ ، فَمَضَى الْجَوَاسِيسُ ، وَسَلَكُوا الْمَفَازَةَ وَالْجِبَالَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِهِمْ ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهِ ، فَعَادُوا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ، وَأَخْبَرُوهُ بِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ عَنِ الْإِحْصَاءِ ، وَأَنَّهُمْ مَنْ أَصْبِرِ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى الْقِتَالِ لَا يَعْرِفُونَ هَزِيمَةً ، وَأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ السِّلَاحِ بِأَيْدِيهِمْ ، فَنَدِمَ
خُوَارَزْم شَاهْ عَلَى قَتْلِ أَصْحَابِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ ، وَحَصَلَ عِنْدَهُ فِكْرٌ زَائِدٌ ، فَأَحْضَرَ
الشِّهَابَ الْخُيُوفِيَّ ، وَهُوَ فَقِيهٌ فَاضِلٌ ، كَبِيرُ الْمَحَلِّ عِنْدَهُ ، لَا يُخَالِفُ مَا يُشِيرُ بِهِ ، فَحَضَرَ
[ ص: 337 ] عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا بُدَّ مِنَ الْفِكْرِ فِيهِ وَأَخْذِ رَأْيِكَ فِي الَّذِي نَفْعَلُهُ ، وَذَاكَ أَنَّهُ قَدْ تَحَرَّكَ إِلَيْنَا خَصْمٌ مِنْ نَاحِيَةِ
التُّرْكِ فِي كَثْرَةٍ لَا تُحْصَى .
فَقَالَ لَهُ : فِي عَسَاكِرِكَ كَثْرَةٌ وَنُكَاتِبُ الْأَطْرَافَ ، وَنَجْمَعُ الْعَسَاكِرَ ، وَيَكُونُ النَّفِيرُ عَامًّا ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً مُسَاعَدَتُكَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ ، ثُمَّ نَذْهَبُ بِجَمِيعِ الْعَسَاكِرِ إِلَى جَانِبِ
سَيْحُونَ ، وَهُوَ نَهْرٌ كَبِيرٌ يَفْصِلُ بَيْنَ بِلَادِ
التُّرْكِ وَبِلَادِ الْإِسْلَامِ ، فَنَكُونُ هُنَاكَ ، فَإِذَا جَاءَ الْعَدُوُّ ، وَقَدْ سَارَ مَسَافَةً بَعِيدَةً ، لَقِينَاهُ وَنَحْنُ مُسْتَرِيحُونَ ، وَهُوَ وَعَسَاكِرُهُ قَدْ مَسَّهُمُ النَّصَبُ وَالتَّعَبُ .
فَجَمَعَ
خُوَارَزْم شَاهْ أُمَرَاءَهُ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَرْبَابِ الْمَشُورَةِ ، فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى رَأْيِهِ ، بَلْ قَالُوا : الرَّأْيُ أَنْ نَتْرُكَهُمْ يَعْبُرُونَ
سَيْحُونَ إِلَيْنَا ، وَيَسْلُكُونَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَالْمَضَايِقَ ، فَإِنَّهُمْ جَاهِلُونَ بِطُرُقِهِمْ ، وَنَحْنُ عَارِفُونَ بِهَا ، فَنَقْوَى حِينَئِذٍ عَلَيْهِمْ ، وَنُهْلِكُهُمْ فَلَا يَنْجُو مِنْهُمْ أَحَدٌ .
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَرَدَ رَسُولٌ مِنْ هَذَا اللَّعِينِ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ يَتَهَدَّدُ
خُوَارَزْم شَاهْ ، وَيَقُولُ : تَقْتُلُونَ أَصْحَابِي وَتُجَّارِي وَتَأْخُذُونَ مَالِي مِنْهُمْ ! اسْتَعِدُّوا لِلْحَرْبِ فَإِنِّي وَاصِلٌ إِلَيْكُمْ بِجَمْعٍ لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ قَدْ سَارَ إِلَى
تُرْكِسْتَانَ ، فَمَلَكَ
كَاشْغَارَ ،
وَبِلَاسَاغُونَ ، وَجَمِيعَ تِلْكَ الْبِلَادِ ، وَأَزَالَ عَنْهَا
التَّتَرَ الْأُولَى ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ خَبَرٌ ، وَلَا بَقِيَ لَهُمْ ، بَلْ بَادُوا كَمَا أَصَابَ
الْخَطَا ، وَأَرْسَلَ الرِّسَالَةَ الْمَذْكُورَةَ إِلَى
خُوَارَزْم شَاهْ ، فَلَمَّا سَمِعَهَا
خُوَارَزْم شَاهْ أَمَرَ بِقَتْلِ رَسُولِهِ ، فَقُتِلَ ، وَأَمَرَ بِحَلْقِ لِحَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ ، وَأَعَادَهُمْ إِلَى صَاحِبِهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ يُخْبِرُونَهُ بِمَا فَعَلَ بِالرَّسُولِ . وَيَقُولُونَ لَهُ : إِنَّ
خُوَارَزْم شَاهْ يَقُولُ لَكَ : أَنَا سَائِرٌ إِلَيْكَ وَلَوْ أَنَّكَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا ، حَتَّى أَنْتَقِمَ ، وَأَفْعَلَ بِكَ كَمَا فَعَلْتُ بِأَصْحَابِكَ .
وَتَجَهَّزَ
خُوَارَزْم شَاهْ ، وَسَارَ بَعْدَ الرَّسُولِ مُبَادِرًا لِيَسْبِقَ خَبَرَهُ وَيَكْبِسَهُمْ ، فَأَدْمَنَ السَّيْرَ ، فَمَضَى ، وَقَطَعَ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَوَصَلَ إِلَى بُيُوتِهِمْ ، فَلَمْ يَرَ فِيهَا إِلَّا النِّسَاءَ
[ ص: 338 ] وَالصِّبْيَانَ وَالْأَثْقَالَ ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ وَغَنِمَ الْجَمِيعَ ، وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ .
وَكَانَ سَبَبُ غَيْبَةِ الْكُفَّارِ عَنْ بُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى مُحَارَبَةِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ
التُّرْكِ يُقَالُ لَهُ
كِشْلُوخَانْ ، فَقَاتَلُوهُ ، وَهَزَمُوهُ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُ وَعَادُوا ، فَلَقِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الْخَبَرُ بِمَا فَعَلَ
خُوَارَزْم شَاهْ بِمُخَلَّفِيهِمْ ، فَجَدُّوا السَّيْرَ ، فَأَدْرَكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ بُيُوتِهِمْ ، وَتَصَافُّوا لِلْحَرْبِ ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ ، فَبَقُوا فِي الْحَرْبِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا ، فَقُتِلَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مَا لَا يُعَدُّ ، وَلَمْ يَنْهَزِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ .
أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ صَبَرُوا حَمِيَّةً لِلدِّينِ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ إِنِ انْهَزَمُوا لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِينَ بَاقِيَةٌ ، وَأَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ بِلَادِهِمْ .
وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَصَبَرُوا لِاسْتِنْقَاذِ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَاشْتَدَّ بِهِمُ الْأَمْرُ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَنْزِلُ عَنْ فَرَسِهِ وَيُقَاتِلُ قِرْنَهُ رَاجِلًا ، وَيَتَضَارَبُونَ بِالسَّكَاكِينِ ، وَجَرَى الدَّمُ عَلَى الْأَرْضِ ، حَتَّى صَارَتِ الْخَيْلُ تَزْلَقُ مِنْ كَثْرَتِهِ ، وَاسْتَنْفَدَ الطَّائِفَتَانِ وُسْعَهُمْ فِي الصَّبْرِ وَالْقِتَالِ . هَذَا الْقِتَالُ جَمِيعُهُ مَعَ
ابْنِ جِنْكِزْخَانْ وَلَمْ يَحْضُرْ أَبُوهُ الْوَقْعَةَ ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا ، فَأُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ فَكَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا ، وَأَمَّا مِنَ الْكُفَّارِ فَلَا يُحْصَى مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ .
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ افْتَرَقُوا فَنَزَلَ بَعْضُهُمْ مُقَابِلَ بَعْضٍ ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ أَوْقَدَ الْكُفَّارُ نِيرَانَهُمْ وَتَرَكُوهَا بِحَالِهَا وَسَارُوا وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا ، كُلٌّ مِنْهُمْ سَئِمَ الْقِتَالَ ; فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَعَادُوا إِلَى مَلِكِهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَرَجَعُوا إِلَى
بُخَارَى فَاسْتَعَدَّ لِلْحِصَارِ لِعِلْمِهِ بِعَجْزِهِ . لِأَنَّ طَائِفَةَ عَسْكَرِهِ لَمْ يَقْدِرْ
خُوَارَزْم شَاهْ عَلَى أَنْ يَظْفَرَ بِهِمْ ، فَكَيْفَ إِذَا جَاءُوا جَمِيعُهُمْ مَعَ مَلِكِهِمْ ؟ فَأَمَرَ
أَهْلَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلْحِصَارِ ، وَجَمَعَ الذَّخَائِرَ لِلِامْتِنَاعِ ، وَجَعَلَ فِي
بُخَارَى عِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ مِنَ الْعَسْكَرِ يَحْمُونَهَا ، وَفِي
سَمَرْقَنْدَ خَمْسِينَ أَلْفًا ، وَقَالَ لَهُمْ : احْفَظُوا الْبَلَدَ حَتَّى أَعُودَ إِلَى
خُوَارَزْمَ وَخُرَاسَانَ وَأَجْمَعَ الْعَسَاكِرَ وَأَسْتَنْجِدَ بِالْمُسْلِمِينَ وَأَعُودَ إِلَيْكُمْ .
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ رَحَلَ عَائِدًا إِلَى
خُرَاسَانَ فَعَبَرَ
جَيْحُونَ ، وَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْ
بَلْخَ فَعَسْكَرَ هُنَاكَ .
[ ص: 339 ] وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّهُمْ رَحَلُوا بَعْدَ أَنِ اسْتَعَدُّوا يَطْلُبُونَ
مَا وَرَاءَ النَّهْرِ ، فَوَصَلُوا إِلَى
بُخَارَى بَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وُصُولِ
خُوَارَزْم شَاهْ ، وَحَصَرُوهَا ، وَقَاتَلُوهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قِتَالًا شَدِيدًا مُتَتَابِعًا فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَسْكَرِ الْخُوَارَزْمِيِّ بِهِمْ قُوَّةٌ فَفَارَقُوا الْبَلَدَ عَائِدِينَ إِلَى
خُرَاسَانَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَهْلُ الْبَلَدِ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَسْكَرِ أَحَدٌ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ ، فَأَرْسَلُوا الْقَاضِيَ ، وَهُوَ
بَدْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ لِيَطْلُبَ الْأَمَانَ لِلنَّاسِ ، فَأَعْطَوْهُمُ الْأَمَانَ .
وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْعَسْكَرِ طَائِفَةٌ لَمْ يُمْكِنْهُمُ الْهَرَبُ مَعَ أَصْحَابِهِمْ . فَاعْتَصَمُوا بِالْقَلْعَةِ ، فَلَمَّا أَجَابَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ إِلَى الْأَمَانِ فُتِحْتَ أَبْوَابُ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ ، فَدَخَلَ الْكُفَّارُ
بُخَارَى وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَحَدٍ ، بَلْ قَالُوا لَهُمْ : كُلُّ مَا هُوَ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَكُمْ مِنْ ذَخِيرَةٍ وَغَيْرِهِ أَخْرِجُوهُ إِلَيْنَا ، وَسَاعِدُونَا عَلَى قِتَالِ مَنْ بِالْقَلْعَةِ ، وَأَظْهَرُوا عِنْدَهُمُ الْعَدْلَ وَحُسْنَ السِّيرَةِ ، وَدَخَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15657جِنْكِزْخَانْ بِنَفْسِهِ وَأَحَاطَ بِالْقَلْعَةِ ، وَنَادَى فِي الْبَلَدِ بِأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ وَمَنْ تَخَلَّفَ قُتِلَ ، فَحَضَرُوا جَمِيعُهُمْ ، فَأَمَرَهُمْ بِطَمِّ الْخَنْدَقِ ، فَطَمُّوهُ بِالْأَخْشَابِ وَالتُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، حَتَّى إِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْمَنَابِرَ وَرَبَعَاتِ الْقُرْآنِ فَيُلْقُونَهَا فِي الْخَنْدَقِ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، وَبِحَقٍّ سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ صَبُورًا حَلِيمًا ، وَإِلَّا كَانَ خَسَفَ بِهِمُ الْأَرْضَ عِنْدَ فِعْلِ مِثْلِ هَذَا .
ثُمَّ تَابَعُوا الزَّحْفَ إِلَى الْقَلْعَةِ وَبِهَا نَحْوُ أَرْبَعِ مِائَةِ فَارِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَبَذَلُوا جُهْدَهُمْ ، وَمَنَعُوا الْقَلْعَةَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا يُقَاتِلُونَ جَمْعَ الْكُفَّارِ وَأَهْلَ الْبَلَدِ ، فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ ، وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى زَحَفُوا إِلَيْهِمْ ، وَوَصَلَ النَّقَّابُونَ إِلَى سُورِ الْقَلْعَةِ فَنَقَبُوهُ ، وَاشْتَدَّ حِينَئِذٍ الْقِتَالُ ، وَمَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَرْمُونَ مَا يَجِدُونَ مِنْ حِجَارَةٍ وَنَارٍ وَسِهَامٍ ، فَغَضِبَ اللَّعِينُ ، وَرَدَّ أَصْحَابَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَبَاكَرَهُمْ مِنَ الْغَدِ ، فَجَدُّوا فِي الْقِتَالِ ، وَقَدْ تَعِبَ مَنْ بِالْقَلْعَةِ وَنَصَبُوا ، وَجَاءَهُمْ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ ، فَقَهَرَهُمُ الْكُفَّارُ وَدَخَلُوا الْقَلْعَةَ ، وَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ فِيهَا حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقَلْعَةِ نَادَى أَنْ يُكْتَبَ لَهُ وُجُوهُ النَّاسِ وَرُؤَسَاؤُهُمْ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَلَمَّا عُرِضُوا عَلَيْهِ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِمْ
[ ص: 340 ] فَحَضَرُوا ، فَقَالَ : أُرِيدُ مِنْكُمُ النُّقْرَةَ الَّتِي بَاعَكُمْ
خُوَارَزْم شَاهْ ، فَإِنَّهَا لِي ، وَمِنْ أَصْحَابِي أُخِذَتْ ، وَهِيَ عِنْدَكُمْ .
فَأَحْضَرَ كُلُّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ ، فَخَرَجُوا مِنَ الْبَلَدِ مُجَرَّدِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، لَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ ، وَدَخَلَ الْكُفَّارُ الْبَلَدَ فَنَهَبُوهُ وَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا فِيهِ ، وَأَحَاطَ بِالْمُسْلِمِينَ ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقْتَسِمُوهُمْ ، فَاقْتَسَمُوهُمْ .
وَكَانَ يَوْمًا عَظِيمًا مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ، وَتَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبَا ، وَتَمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ، وَاقْتَسَمُوا النِّسَاءَ أَيْضًا ، وَأَصْبَحَتْ
بُخَارَى خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ، وَارْتَكَبُوا مِنَ النِّسَاءِ الْعَظِيمَ ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَيَبْكُونَ ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ ، وَاخْتَارَ الْمَوْتَ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَاخْتَارَ أَنْ يُقْتَلَ وَلَا يَرَى مَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ ، الْفَقِيهُ
الْإِمَامُ رُكْنُ الدِّينِ إِمَامُ زَادَهْ وَوَلَدُهُ ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا رَأَيَا مَا يُفْعَلُ بِالْحُرَمِ قَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا .
وَكَذَلِكَ فَعَلَ
الْقَاضِي صَدْرُ الدِّينِ خَانْ ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ أُخِذَ أَسِيرًا ، وَأَلْقَوُا النَّارَ فِي الْبَلَدِ ، وَالْمَدَارِسِ ، وَالْمَسَاجِدِ ، وَعَذَّبُوا النَّاسَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فِي طَلَبِ الْمَالِ ، ثُمَّ رَحَلُوا نَحْوَ
سَمَرْقَنْدَ وَقَدْ تَحَقَّقُوا عَجْزَ
خُوَارَزْم شَاهْ عَنْهُمْ ، وَهُمْ بِمَكَانِهِ بَيْنَ
تِرْمِذَ وَبَلْخَ ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ مَنْ سَلِمَ مِنْ
أَهْلِ بُخَارَى أَسَارَى ، فَسَارُوا بِهِمْ مُشَاةً عَلَى أَقْبَحِ صُورَةٍ ، فَكُلُّ مَنْ أَعْيَا وَعَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ قَتَلُوهُ ، فَلَمَّا قَارَبُوا
سَمَرْقَنْدَ قَدَّمُوا الْخَيَّالَةَ ، وَتَرَكُوا الرَّجَّالَةَ وَالْأَسَارَى وَالْأَثْقَالَ وَرَاءَهُمْ ، حَتَّى تَقَدَّمُوا شَيْئًا فَشَيْئًا لِيَكُونَ أَرْعَبَ لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْبَلَدِ سَوَادَهُمُ اسْتَعْظَمُوهُ .
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَصَلَ الْأَسَارَى وَالرَّجَّالَةُ وَالْأَثْقَالُ ، وَمَعَ كُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَسَارَى عَلَمٌ ، فَظَنَّ أَهْلُ الْبَلَدِ أَنَّ الْجَمِيعَ عَسَاكِرُ مُقَاتِلَةٌ ، وَأَحَاطُوا بِالْبَلَدِ وَفِيهِ خَمْسُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ ، وَأَمَّا عَامَّةُ الْبَلَدِ فَلَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ شُجْعَانُ أَهْلِهِ ، وَأَهْلُ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ رَجَّالَةً ، وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ مِنَ الْعَسْكَرِ الْخُوَارَزْمِيُّ أَحَدٌ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ خَوْفِ هَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينِ ، فَقَاتَلَهُمُ الرَّجَّالَةُ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ فَلَمْ يَزَلِ
التَّتَرُ [ ص: 341 ] يَتَأَخَّرُونَ ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ يَتْبَعُونَهُمْ ، وَيَطْمَعُونَ فِيهِمْ ، وَكَانَ الْكُفَّارُ قَدْ كَمَّنُوا لَهُمْ كَمِينًا ، فَلَمَّا جَاوَزُوا الْكَمِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَلَدِ ، وَرَجَعَ الْبَاقُونَ الَّذِينَ أَنْشَبُوا الْقِتَالَ أَوَّلًا ، فَبَقُوا فِي الْوَسَطِ ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ شُهَدَاءَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفًا عَلَى مَا قِيلَ .
فَلَمَّا رَأَى الْبَاقُونَ مِنَ الْجُنْدِ وَالْعَامَّةِ ذَلِكَ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ ، فَقَالَ الْجُنْدُ ، وَكَانُوا أَتْرَاكًا : نَحْنُ مِنْ جِنْسِ هَؤُلَاءِ وَلَا يَقْتُلُونَنَا ، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ ، فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ ، فَفَتَحُوا أَبْوَابَ الْبَلَدِ ، وَلَمْ يَقْدِرِ الْعَامَّةُ عَلَى مَنْعِهِمْ ، وَخَرَجُوا إِلَى الْكُفَّارِ بِأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمُ الْكُفَّارُ : ادْفَعُوا إِلَيْنَا سِلَاحَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَدَوَابَّكُمْ وَنَحْنُ نُسَيِّرُكُمْ إِلَى مَأْمَنِكُمْ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَلَمَّا أَخَذُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ وَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ وَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ .
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَادَوْا فِي الْبَلَدِ أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُهُ جَمِيعُهُمْ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ قَتَلُوهُ ، فَخَرَجَ جَمِيعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، فَفَعَلُوا مَعَ
أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ مَعَ
أَهْلِ بُخَارَى مِنَ النَّهْبِ ، وَالْقَتْلِ ، وَالسَّبْيِ ، وَالْفَسَادِ ، وَدَخَلُوا الْبَلَدَ فَنَهَبُوا مَا فِيهِ ، وَأَحْرَقُوا الْجَامِعَ وَتَرَكُوا بَاقِيَ الْبَلَدِ عَلَى حَالِهِ ، وَافْتَضُّوا الْأَبْكَارَ ، وَعَذَّبُوا النَّاسَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فِي طَلَبِ الْمَالِ ، وَقَتَلُوا مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلسَّبْيِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ .
وَكَانَ
خُوَارَزْم شَاهْ بِمَنْزِلَتِهِ كُلَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ عَسْكَرٌ سَيَّرَهُ إِلَى
سَمَرْقَنْدَ ، فَيَرْجِعُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخِذْلَانِ ; سَيَّرَ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ فَعَادُوا كَالْمُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ ، وَسَيَّرَ عِشْرِينَ أَلْفًا فَعَادُوا أَيْضًا .