[ ص: 337 ]   16 
ثم دخلت سنة ست عشرة 
ذكر فتح المدائن الغربية وهي بهرسير   
في هذه السنة - في صفر - دخل المسلمون بهرسير  ، وكان  سعد  محاصرا لها ، وأرسل الخيول فأغارت على من ليس له عهد ، فأصابوا مائة ألف فلاح ، فأصاب كل واحد منهم فلاحا ، لأن كل المسلمين كان فارسا ، فأرسل  سعد  إلى  عمر  يستأذنه ، فأجابه : إن من جاءكم من الفلاحين ممن لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به . فخلى  سعد  عنهم وأرسل إلى الدهاقين ودعاهم إلى الإسلام أو الجزية ولهم الذمة ، فتراجعوا ولم يدخل في ذلك ما كان لآل   كسرى   ، فلم يبق في غربي دجلة  إلى أرض العرب سوادي إلا أمن واغتبط بملك الإسلام . 
وأقاموا على بهرسير  شهرين يرمونهم بالمجانيق ، ويدبون إليهم بالدبابات ويقاتلونهم بكل عدة ، ونصبوا عليها عشرين منجنيقا فشغلوهم بها ، وربما خرج العجم فقاتلوهم فلا يقومون لهم ، وكان آخر ما خرجوا متجردين للحرب وتبايعوا على الصبر ، فقاتلهم المسلمون . وكان على  زهرة بن الحوية  درع مفصومة ، فقيل : لو أمرت بهذا الفصم فسرد . فقال لهم : إني على الله لكريم ، أن ترك سهم فارس الجند كلهم ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت في ! فكان أول رجل أصيب من المسلمين يومئذ   [ ص: 338 ] هو ، بنشابة من ذلك الفصم . فقال بعضهم : انزعوها . فقال : دعوني فإن نفسي معي ما دامت في لعلي أن أصيب منهم بطعنة أو ضربة . فمضى نحو العدو فضرب بسيفه  شهريار  من أهل إصطخر فقتله ، وأحيط به فقتل وما انكشفوا . 
وقيل : إن  زهرة  عاش إلى أيام  الحجاج  فقتله  شبيب الخارجي  ، وسيرد ذكره . 
واشتد الحصار بأهل المدائن الغربية حتى أكلوا السنانير والكلاب ، وصبروا من شدة الحصار على أمر عظيم ، فبينا هم يحاصرونهم إذ أشرف عليهم رسول الملك ، فقال : الملك يقول لكم : هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة إلى جبلنا ، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم ؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم ! فقال لهم  أبو مفزر الأسود بن قطبة  ، وقد أنطقه الله - تعالى - بما لا يدري ما هو ولا من معه . فرجع الرجل فقطعوا دجلة إلى المدائن الشرقية التي فيها الإيوان  ، فقال له من معه : يا  أبا مفزر  ما قلت له ؟ قال : والذي بعث محمدا  بالحق ما أدري ! وأنا أرجو أن أكون قد نطقت بالذي هو خير . وسأله  سعد  والناس عما قال فلم يعلم . فنادى  سعد  في الناس ، فنهدوا إليهم ، فما ظهر على المدينة أحد ، ولا خرج رجل إلا رجل ينادي بالأمان ، فآمنوه ، فقال لهم : ما بقي بالمدينة من يمنعكم . فدخلوا فما وجدوا فيها شيئا ولا أحدا إلا أسارى وذلك الرجل ، فسألوه لأي شيء هربوا ؟ فقال : بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح ، فأجبتموه أنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبدا حتى نأكل عسل أفريدون بأترج كوثى . فقال الملك : يا ميلتيه ! إن الملائكة تتكلم على ألسنتهم ترد علينا . 
فساروا إلى المدينة القصوى . فلما دخلها المسلمون أنزلهم  سعد  المنازل ، وأرادوا العبور إلى المدائن فوجدوا المعابر قد أخذوها ما بين المدائن وتكريت    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					