[ ص: 259 ] حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تقيم شاهدا واحدا على طلاق زوجها والزوج منكر  
ذكر  ابن وضاح  عن  ابن أبي مريم  ، عن  عمرو بن أبي سلمة  ، عن زهير بن محمد  ، عن  ابن جريج  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا ادعت المرأة طلاق زوجها ، فجاءت على ذلك بشاهد واحد عدل ، استحلف زوجها ، فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد ، وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر ، وجاز طلاقه  ) فتضمن هذا الحكم أربعة أمور : 
أحدها : أنه لا يكتفى بشهادة الشاهد الواحد في الطلاق  ، ولا مع يمين المرأة ، قال  الإمام أحمد   : الشاهد واليمين إنما يكون في الأموال خاصة ، لا يقع في حد ، ولا نكاح ، ولا طلاق ، ولا إعتاق ، ولا سرقة ، ولا قتل . وقد نص في رواية أخرى عنه على أن العبد إذا ادعى أن سيده أعتقه ، وأتى بشاهد  ، حلف مع شاهده ، وصار حرا ، واختاره الخرقي  ، ونص أحمد  في شريكين ، في عبد ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه  ، وكانا معسرين عدلين ، فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ، ويصير حرا ، ويحلف مع أحدهما ، ويصير نصفه حرا ، ولكن لا يعرف عنه أن الطلاق يثبت بشاهد ويمين . 
وقد دل حديث  عمرو بن شعيب  هذا على أنه يثبت بشاهد ونكول الزوج ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى ، فإن حديث  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده ، لا يعرف من أئمة الإسلام ، إلا من احتج به ، وبنى عليه ، وإن خالفه في بعض المواضع ، وزهير بن محمد  الراوي عن  ابن جريج  ثقة محتج به في " الصحيحين " ، وعمرو بن أبي سلمة ، هو أبو حفص التنيسي  ، محتج به في " الصحيحين " أيضا ، فمن احتج بحديث  عمرو بن شعيب   . فهذا من أصح حديثه . 
 [ ص: 260 ] الثاني : أن الزوج يستحلف في دعوى الطلاق إذا لم تقم المرأة به بينة ، لكن إنما استحلفه مع قوة جانب الدعوى بالشاهد . 
الثالث : أنه يحكم في الطلاق بشاهد ونكول المدعى عليه ، وأحمد  في إحدى الروايتين عنه يحكم بوقوعه بمجرد النكول من غير شاهد ، فإذا ادعت المرأة على زوجها الطلاق ، وأحلفناه لها في إحدى الروايتين فنكل ، قضي عليه ، فإذا أقامت شاهدا واحدا ، ولم يحلف الزوج على عدم دعواها ، فالقضاء بالنكول عليه في هذه الصورة أقوى . 
وظاهر الحديث : أنه لا يحكم على الزوج بالنكول ، إلا إذا أقامت المرأة شاهدا واحدا ، كما هو إحدى الروايتين عن مالك ، وأنه لا يحكم عليه بمجرد دعواها مع نكوله ، لكن من يقضي عليه به يقول : النكول إما إقرار وإما بينة ، وكلاهما يحكم به ، ولكن ينتقض هذا عليه بالنكول في دعوى القصاص ، ويجاب بأن النكول بدل استغني به ، فيما يباح بالبدل ، وهو الأموال وحقوقها دون النكاح وتوابعه . 
الرابع : أن النكول بمنزلة البينة ، فلما أقامت شاهدا واحدا ، وهو شطر البينة ، كان النكول قائما مقام تمامها . 
ونحن نذكر مذاهب الناس في هذه المسألة ، فقال  أبو القاسم بن الجلاب  في " تفريعه " : وإذا ادعت المرأة الطلاق على زوجها  ، لم يحلف بدعواها ، فإن أقامت على ذلك شاهدا واحدا لم تحلف مع شاهدها ، ولم يثبت الطلاق على زوجها ، وهذا الذي قاله لا يعلم فيه نزاع بين الأئمة الأربعة . قال : ولكن يحلف لها زوجها ، فإن حلف برئ من دعواها . 
قلت هذا فيه قولان للفقهاء ، وهما روايتان عن  الإمام أحمد   . 
إحداهما : أنه يحلف لدعواها ، وهو مذهب  الشافعي  ، ومالك  ،  وأبي  [ ص: 261 ] حنيفة   . والثانية لا يحلف . فإن قلنا : لا يحلف ، فلا إشكال . وإن قلنا : يحلف ، فنكل عن اليمين ، فهل يقضى عليه بطلاق زوجته بالنكول ؟ فيه روايتان عن مالك  ، إحداهما : أنها تطلق عليه بالشاهد والنكول عملا بهذا الحديث ، وهذا اختيار أشهب  ، هذا فيه غاية القوة ؛ لأن الشاهد والنكول سببان من جهتين مختلفتين ، فقوي جانب المدعي بهما ، فحكم له ، فهذا مقتضى الأثر والقياس . 
والرواية الثانية عنه : أن الزوج إذا نكل عن اليمين ، حبس ، فإن طال حبسه ترك . واختلفت الرواية عن  الإمام أحمد  ، هل يقضى بالنكول في دعوى المرأة الطلاق ؟ على روايتين . ولا أثر عنده لإقامة الشاهد الواحد ؛ بل إذا ادعت عليه الطلاق ، ففيه روايتان في استحلافه ، فإن قلنا : لا يستحلف ، لم يكن لدعواها أثر ، وإن قلنا : يستحلف ، فأبى ، فهل يحكم عليه بالطلاق ؟ فيه روايتان : وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في القضاء بالنكول وهل هو إقرار أو بدل أو قائم مقام البينة في موضعه من هذا الكتاب ؟ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					