وفي " صحيح  البخاري   " : عن  سعيد بن جبير  ، أنه سمع  ابن عباس  رضي الله عنهما يقول : إذا حرم امرأته ليس بشيء ، وقال : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة   ) فقيل هذا رواية أخرى عن  ابن عباس   . وقيل إنما أراد أنه ليس بطلاق ، وفيه كفارة يمين ، ولهذا احتج بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الثاني أظهر ، وهذه المسألة فيها عشرون مذهبا للناس ، ونحن نذكرها ، ونذكر وجوهها ، ومآخذها ، والراجح منها ، بعون الله تعالى وتوفيقه . 
أحدها : أن التحريم لغو لا شيء فيه ، لا في الزوجة ، ولا في غيرها ، لا طلاق ، ولا إيلاء ، ولا يمين ، ولا ظهار ، روى  وكيع  عن  إسماعيل بن أبي خالد  عن  الشعبي  عن مسروق   : ( ما أبالي حرمت امرأتي أو قصعة من ثريد ) 
وذكر عبد الرزاق  عن  الثوري  ، عن صالح بن مسلم  ، عن  الشعبي  ، أنه ( قال في تحريم المرأة : لهي أهون علي من نعلي ) 
وذكر عن  ابن جريج  ، أخبرني عبد الكريم  ، عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن  ، أنه قال : ما أبالي حرمتها ، يعني امرأته ، أو حرمت ماء النهر  . 
وقال قتادة   : سأل رجل  حميد بن عبد الرحمن الحميري  عن ذلك ؟ فقال : قال الله تعالى : ( فإذا فرغت فانصب  وإلى ربك فارغب   ) [ ألم نشرح : 7 ] وأنت رجل تلعب ، فاذهب فالعب ، هذا قول أهل الظاهر كلهم . 
المذهب الثاني : أن التحريم في الزوجة طلاق ثلاث . قال  ابن حزم  قاله  علي بن أبي طالب   وزيد بن ثابت   وابن عمر  وهو قول الحسن   ومحمد بن  [ ص: 277 ] عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، وروي عن الحكم بن عتيبة . قلت : الثابت  عن  زيد بن ثابت   وابن عمر  ما رواه هو من طريق  الليث بن سعد  عن  يزيد بن أبي حبيب  عن أبي هبيرة  عن قبيصة  ، أنه سأل  زيد بن ثابت  ،  وابن عمر  ، عمن قال لامرأته . أنت علي حرام ، فقالا جميعا : كفارة يمين ، ولم يصح عنهما خلاف ذلك ، وأما علي ، فقد روى  أبو محمد ابن حزم  من طريق  يحيى القطان  ، حدثنا  إسماعيل بن أبي خالد  ، عن  الشعبي  ، قال : يقول رجال في الحرام ، هي حرام حتى تنكح زوجا غيره ، ولا والله ما قال ذلك علي  ، وإنما قال علي   : ( ما أنا بمحلها ، ولا بمحرمها عليك ، إن شئت فتقدم ، وإن شئت فتأخر  ) 
وأما الحسن  ، فقد روى أبو محمد  من طريق قتادة  عنه أنه قال : ( كل حلال علي حرام فهو يمين ) ولعل أبا محمد  غلط على علي  وزيد  ،  وابن عمر  ، من مسألة الخلية والبرية والبتة ، فإن أحمد  حكى عنهم أنها ثلاث . 
وقال هو عن علي   وابن عمر  صحيح ، فوهم أبو محمد  وحكاه في : أنت علي حرام وهو وهم ظاهر ، فإنهم فرقوا بين التحريم فأفتوا فيه بأنه يمين ، وبين الخلية فأفتوا فيها بالثلاث ، ولا أعلم أحدا قال إنه ثلاث بكل حال . 
المذهب الثالث : أنه ثلاث في حق المدخول بها لا يقبل منه غير ذلك ، وإن كانت غير مدخول بها وقع ما نواه من واحدة واثنتين وثلاث ، فإن أطلق فواحدة ، وإن قال لم أرد طلاقا ، فإن كان قد تقدم كلام يجوز صرفه إليه قبل منه ، وإن كان ابتداء لم يقبل ، وإن حرم أمته ، أو طعامه ، أو متاعه ، فليس بشيء ، وهذا مذهب مالك   . 
المذهب الرابع : أنه إن نوى الطلاق ، كان طلاقا ، ثم إن نوى به الثلاث فثلاث ، وإن نوى دونها فواحدة بائنة ، وإن نوى يمينا فهو يمين فيها كفارة ، وإن لم ينو شيئا فهو إيلاء فيه حكم الإيلاء . فإن نوى الكذب صدق في الفتيا ، ولم يكن شيئا ، ويكون في القضاء إيلاء ، وإن صادف غير الزوجة الأمة والطعام وغيره ، فهو يمين فيه كفارتها وهذا مذهب  أبي حنيفة   . 
المذهب الخامس : أنه إن نوى به الطلاق ، كان طلاقا ، ويقع ما نواه فإن  [ ص: 278 ] أطلق ، وقعت واحدة ، وإن نوى الظهار كان ظهارا ، وإن نوى اليمين ، كان يمينا ، وإن نوى تحريم عينها من غير طلاق ولا ظهار ، فعليه كفارة يمين ، وإن لم ينو شيئا ففيه قولان : أحدهما : لا يلزمه شيء . 
والثاني : يلزمه كفارة يمين . وإن صادف جارية فنوى عتقها ، وقع العتق ، وإن نوى تحريمها ، لزمه بنفس اللفظ كفارة يمين ، وإن نوى الظهار منها ، لم يصح ، ولم يلزمه شيء ، وقيل بل يلزمه كفارة يمين ، وإن لم ينو شيئا ففيه قولان : أحدهما : لا يلزمه شيء . والثاني : عليه كفارة يمين . وإن صادف غير الزوجة والأمة لم يحرم ، ولم يلزمه به شيء ، وهذا مذهب  الشافعي   . 
المذهب السادس : أنه ظهار بإطلاقه ، نواه أو لم ينوه ، إلا أن يصرفه بالنية إلى الطلاق أو اليمين ، فينصرف إلى ما نواه ، هذا ظاهر مذهب أحمد . 
وعنه رواية ثانية أنه بإطلاقه يمين إلا أن يصرفه بالنية إلى الظهار أو الطلاق ، فينصرف إلى ما نواه ، وعنه رواية أخرى ثالثة ، أنه ظهار بكل حال ولو نوى غيره ، وفيه رواية رابعة ، حكاها أبو الحسين في " فروعه " أنه طلاق بائن . ولو وصله بقوله أعني به الطلاق ، فعنه فيه روايتان . إحداهما : أنه طلاق ، فعلى هذا ، هل تلزمه الثلاث ، أو واحدة ؟ على روايتين ، والثانية أنه ظهار أيضا ، كما لو قال : أنت علي كظهر أمي : أعني به الطلاق ، هذا تلخيص مذهبه . 
المذهب السابع : أنه إن نوى به ثلاثا ، فهي ثلاث ، وإن نوى به واحدة ، فهي واحدة بائنة ، وإن نوى به يمينا ، فهي يمين ، وإن لم ينو شيئا ، فهي كذبة لا شيء فيها ، وهذا مذهب  سفيان الثوري  ، حكاه عنه  أبو محمد ابن حزم   . 
المذهب الثامن : أنه طلقة واحدة بائنة بكل حال ، وهذا مذهب  حماد بن أبي سليمان .  
المذهب التاسع : أنه إن نوى ثلاثا فثلاث ، وإن نوى واحدة ، أو لم ينو شيئا ، فواحدة بائنة ، وهذا مذهب  إبراهيم النخعي  ، حكاه عنه  أبو محمد ابن حزم   . 
 [ ص: 279 ] المذهب العاشر : أنه طلقة رجعية ، حكاه ابن الصباغ  ، وصاحبه  أبو بكر الشاشي  ، عن  الزهري  ، عن  عمر بن الخطاب   . 
المذهب الحادي عشر : أنها حرمت عليه بذلك فقط ، ولم يذكر هؤلاء ظهارا ، ولا طلاقا ، ولا يمينا ، بل ألزموه موجب تحريمه . قال  ابن حزم  صح هذا عن  علي بن أبي طالب  ورجال من الصحابة لم يسموا وعن  أبي هريرة   . 
وصح عن الحسن   وخلاس بن عمرو  ،  وجابر بن زيد  ، وقتادة  ، أنهم أمروه باجتنابها فقط . 
المذهب الثاني عشر : التوقف في ذلك لا يحرمها المفتي على الزوج ، ولا يحللها له ، كما رواه  الشعبي  عن علي  أنه قال : ( ما أنا بمحلها ولا محرمها عليك ، إن شئت فتقدم ، وإن شئت فتأخر ) 
المذهب الثالث عشر : الفرق بين أن يوقع التحريم منجزا أو معلقا تعليقا مقصودا ، وبين أن يخرجه مخرج اليمين ، فالأول ظهار بكل حال ، ولو نوى به الطلاق ، ولو وصله بقوله : أعني به الطلاق . 
والثاني : يمين يلزمه به كفارة يمين ، فإذا قال أنت علي حرام ، أو إذا دخل رمضان فأنت علي حرام  ، فظهار ، وإذا قال إن سافرت ، أو إن أكلت هذا الطعام ، أو كلمت فلانا ، فامرأتي علي حرام ، فيمين مكفرة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية  ، فهذه أصول المذاهب في هذه المسألة ، وتتفرع إلى أكثر من عشرين مذهبا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					