فصل 
في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى 
روى  البخاري  في "صحيحه" عن  عائشة  رضي الله عنها ، قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى ، وإني لأسبحها  ) وروى أيضا من حديث  [ ص: 331 ]  مورق العجلي   : ( قلت  لابن عمر   : أتصلي الضحى؟ قال : لا ، قلت : فعمر؟  قال : لا ، قلت : فأبو بكر؟  قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : لا . إخاله  ) 
وذكر عن  ابن أبي ليلى  قال : ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير  أم هانئ  ، فإنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم ( دخل بيتها يوم فتح مكة  ، فاغتسل ، وصلى ثمان ركعات ، فلم أر صلاة قط أخف منها ، غير أنه يتم الركوع والسجود  ) 
وفي "صحيح  مسلم   " ، عن عبد الله بن شقيق  قال : ( سألت  عائشة  هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟  قالت : لا ، إلا أن يجيء من مغيبه . 
قلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السور؟ قالت : من المفصل  ) 
وفي "صحيح  مسلم   " عن  عائشة  ، قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا  ، ويزيد ما شاء الله  ) وفي "الصحيحين" عن  أم هانئ  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى  ) . 
وقال الحاكم  في "المستدرك" : حدثنا الأصم  ، حدثنا الصغاني  ، حدثنا  ابن  [ ص: 332 ] أبي مريم  ، حدثنا  بكر بن مضر  ، حدثنا  عمرو بن الحارث  ، عن بكر بن الأشج  ، عن الضحاك بن عبد الله  ، عن أنس  رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سفر سبحة الضحى ، صلى ثمان ركعات ، فلما انصرف ، قال : ( إني صليت صلاة رغبة ورهبة ، فسألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، سألته ألا يقتل أمتي بالسنين ففعل ، وسألته ألا يظهر عليهم عدوا ، ففعل ، وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى علي ) قال الحاكم   : صحيح . قلت : الضحاك بن عبد الله  هذا ينظر من هو وما حاله؟ 
وقال الحاكم  في كتاب "فضل الضحى" : حدثنا أبو بكر الفقيه  ، أخبرنا بشر بن يحيى  ، حدثنا محمد بن صالح الدولابي  ، حدثنا خالد بن عبد الله بن الحصين  ، عن هلال بن يساف  ، عن زاذان  ، عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى ، ثم قال : ( اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم الغفور ) حتى قالها مائة مرة 
حدثنا  أبو العباس الأصم  ، حدثنا  أسد بن عاصم  ، حدثنا الحصين بن حفص  ، عن سفيان  ، عن  عمر بن ذر  ، عن مجاهد  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( صلى الضحى ركعتين ، وأربعا ، وستا وثمانيا ) 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم  ، حدثنا عثمان بن عبد الملك العمري  ، حدثتنا عائشة بنت سعد  ، عن أم ذرة  ، قالت : رأيت  عائشة  رضي الله عنها تصلي الضحى وتقول : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع  [ ص: 333 ] ركعات  . 
وقال الحاكم  أيضا : أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي  ، حدثنا  أبو قلابة  ، حدثنا أبو الوليد  ، حدثنا أبو عوانة  ، عن حصين بن عبد الرحمن  ، عن  عمرو بن مرة  ، عن عمارة بن عمير  ، عن ابن جبير بن مطعم  ، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى  . 
قال الحاكم  أيضا : حدثنا  إسماعيل بن محمد  ، حدثنا محمد بن عدي بن كامل  ، حدثنا  وهب بن بقية الواسطي  ، حدثنا خالد بن عبد الله  ، عن محمد بن قيس  ، عن  جابر بن عبد الله  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى الضحى ست ركعات )  . 
ثم روى الحاكم  عن إسحاق بن بشير المحاملي  ، حدثنا  عيسى بن موسى  ، عن جابر عن عمر بن صبح  ، عن  مقاتل بن حيان  ، عن  مسلم بن صبيح  ، عن مسروق  ، عن  عائشة   وأم سلمة  رضي الله عنهما ، قالتا : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى ثنتي عشرة ركعة   ) وذكر حديثا طويلا . 
وقال الحاكم   : أخبرنا أبو أحمد بن محمد الصيرفي  ، حدثنا  أبو قلابة الرقاشي  ، حدثنا أبو الوليد  ، حدثنا شعبة  ، عن أبي إسحاق  ، عن عاصم بن ضمرة  ،  [ ص: 334 ] عن علي  رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( كان يصلي الضحى )  . 
وبه إلى أبي الوليد   . حدثنا أبو عوانة  ، عن حصين بن عبد الرحمن  ، عن  عمرو بن مرة  ، عن عمارة بن عمير العبدي  ، عن ابن جبير بن مطعم  ، عن أبيه ، أنه ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى )  . 
قال الحاكم   : وفي الباب عن  أبي سعيد الخدري  ،  وأبي ذر الغفاري  ،  وزيد بن أرقم  ،  وأبي هريرة  ،  وبريدة الأسلمي  ،  وأبي الدرداء  ،  وعبد الله بن أبي أوفى  ، وعتبان بن مالك  ،  وأنس بن مالك  ، وعتبة بن عبد الله السلمي  ، ونعيم بن همار الغطفاني  ،  وأبي أمامة الباهلي  رضي الله عنهم ، ومن النساء :  عائشة بنت أبي بكر  ،  وأم هانئ  ،  وأم سلمة  رضي الله عنهن ، كلهم شهدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها . 
وذكر  الطبراني  من حديث علي  ، وأنس  ،  وعائشة  ، وجابر  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصلي الضحى ست ركعات  ) 
فاختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق ، منهم من رجح رواية الفعل على الترك بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم خفيت على النافي . قالوا : وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس ، ويوجد عند الأقل . قالوا :  [ ص: 335 ] وقد أخبرت  عائشة  ، وأنس  ، وجابر  ،  وأم هانئ  ،  وعلي بن أبي طالب  ، أنه صلاها . قالوا : ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها ، والمحافظة عليها ، ومدح فاعلها ، والثناء عليه ، ففي "الصحيحين" عن  أبي هريرة  رضي الله عنه قال : ( أوصاني خليلي محمد  صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام )  . 
وفي "صحيح  مسلم   " نحوه عن  أبي الدرداء   . 
وفي "صحيح  مسلم   " عن أبي ذر  يرفعه ، قال ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى   ) . 
وفي "مسند  الإمام أحمد   " ، عن معاذ بن أنس الجهني  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا ، غفر الله له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر  ) 
وفي  الترمذي  ، و "سنن  ابن ماجه   " عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حافظ على سبحة الضحى ، غفر له ذنوبه  وإن كانت  [ ص: 336 ] مثل زبد البحر  ) 
وفي "المسند" والسنن ، عن نعيم بن همار  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله عز وجل : يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره  ) ورواه  الترمذي  من حديث  أبي الدرداء  ، وأبي ذر   . 
وفي "جامع  الترمذي   " و "سنن  ابن ماجه   " ، عن أنس  مرفوعا ( من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة  ) . 
وفي "صحيح  مسلم   " ، عن  زيد بن أرقم  أنه رأى قوما يصلون من الضحى في مسجد قباء  ، فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )  . 
وقوله : ترمض الفصال أي : يشتد حر النهار ، فتجد الفصال حرارة الرمضاء . وفي "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى الضحى في بيت عتبان بن مالك   [ ص: 337 ] ركعتين  ) . 
وفي "مستدرك" الحاكم  من حديث  خالد بن عبد الله الواسطي  ، عن محمد بن عمرو  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب   ) وقال : "هذا إسناد قد احتج بمثله  مسلم بن الحجاج  ، وأنه حدث عن شيوخه ، عن محمد بن عمرو  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن  ) قال : ولعل قائلا يقول : قد أرسله  حماد بن سلمة  ،  وعبد العزيز بن محمد الدراوردي  ، عن محمد بن عمرو  ، فيقال له : خالد بن عبد الله  ثقة ، والزيادة من الثقة مقبولة . 
ثم روى الحاكم   : حدثنا عبدان بن يزيد  ، حدثنا  محمد بن المغيرة السكري  ، حدثنا القاسم بن الحكم العرني  ، حدثنا سليمان بن داود اليمامي  ، حدثنا  يحيى بن أبي كثير  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للجنة بابا يقال له باب الضحى ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ، هذا بابكم ، فادخلوه برحمة الله"  . 
 [ ص: 338 ] وقال  الترمذي  في "الجامع" : حدثنا  أبو كريب محمد بن العلاء  ، حدثنا  يونس بن بكير  ، عن محمد بن إسحاق  ، قال : حدثني موسى بن فلان ، عن عمه ثمامة بن أنس بن مالك  ، عن  أنس بن مالك  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة  ) 
قال  الترمذي   : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وكان أحمد  يرى أصح شيء في هذا الباب حديث  أم هانئ   . قلت : وموسى ابن فلان هذا ، هو موسى بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك   . 
وفي "جامعه" أيضا من حديث  عطية العوفي  ، عن  أبي سعيد الخدري  ، قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول : لا يدعها ، ويدعها حتى نقول : لا يصليها  ) قال : هذا حديث حسن غريب . 
وقال  الإمام أحمد  في "مسنده" : حدثنا أبو اليمان  ، حدثنا  إسماعيل بن عياش  ، عن  يحيى بن الحارث الذماري  ، عن القاسم  ، عن أبي أمامة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر ، كان له كأجر الحاج المحرم ، ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر ، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ) قال أبو أمامة   : ( الغدو والرواح إلى هذه المساجد من الجهاد في سبيل الله عز وجل ) 
 [ ص: 339 ] وقال الحاكم   : حدثنا أبو العباس  ، حدثنا  محمد بن إسحاق الصغاني  ، حدثنا أبو المورع محاضر بن المورع  ، حدثنا الأحوص بن حكيم  ، حدثني عبد الله بن عامر الألهاني  ، عن منيب بن عيينة بن عبد الله السلمي  ، عن أبي أمامة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : ( من صلى الصبح في مسجد جماعة ، ثم ثبت فيه حتى الضحى ، ثم يصلي سبحة الضحى ، كان له كأجر حاج أو معتمر تام له حجته وعمرته  ) . 
وقال  ابن أبي شيبة   : حدثني  حاتم بن إسماعيل  ، عن حميد بن صخر  ، عن المقبري  ، عن  الأعرج  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا ، فأعظموا الغنيمة ، وأسرعوا الكرة . فقال رجل : يا رسول الله! ما رأينا بعثا قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث ، فقال : ( ألا أخبركم بأسرع كرة ، وأعظم غنيمة : رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه ، ثم عمد إلى المسجد ، فصلى فيه صلاة الغداة ، ثم أعقب بصلاة الضحى ، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة )  . 
وفي الباب أحاديث سوى هذه ، لكن هذه أمثلها . قال الحاكم   : صحبت جماعة من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات ، فوجدتهم يختارون هذا العدد ، يعني أربع ركعات ، ويصلون هذه الصلاة أربعا ، لتواتر الأخبار الصحيحة فيه  [ ص: 340 ] وإليه أذهب ، وإليه أدعو اتباعا للأخبار المأثورة ، واقتداء بمشايخ الحديث فيه . 
قال  ابن جرير الطبري   - وقد ذكر الأخبار المرفوعة في صلاة الضحى واختلاف عددها : وليس في هذه الأحاديث حديث يدفع صاحبه ، وذلك أن من حكى أنه صلى الضحى أربعا  جائز أن يكون رآه في حال فعله ذلك ، ورآه غيره في حال أخرى صلى ركعتين ، ورآه آخر في حال أخرى صلاها ثمانيا ، وسمعه آخر يحث على أن يصلي ستا ، وآخر يحث على أن يصلي ركعتين ، وآخر على عشر ، وآخر على ثنتي عشرة ، فأخبر كل واحد منهم عما رأى وسمع . 
قال : والدليل على صحة قولنا ، ما روي عن  زيد بن أسلم  قال : سمعت  عبد الله بن عمر  يقول لأبي ذر   : أوصني يا عم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : ( من صلى الضحى ركعتين ، لم يكتب من الغافلين ، ومن صلى أربعا ، كتب من العابدين ، ومن صلى ستا ، لم يلحقه ذلك اليوم ذنب ، ومن صلى ثمانيا ، كتب من القانتين ، ومن صلى عشرا بنى الله له بيتا في الجنة ) 
وقال مجاهد   : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الضحى ركعتين ، ثم يوما أربعا ، ثم يوما ستا ، ثم يوما ثمانيا ثم ترك ) فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل مخبر ممن تقدم أن يكون إخباره لما أخبر عنه في صلاة الضحى على قدر ما شاهده وعاينه . 
 [ ص: 341 ] والصواب : إذا كان الأمر كذلك : أن يصليها من أراد على ما شاء من العدد . وقد روي هذا عن قوم من السلف : حدثنا ابن حميد  ، حدثنا جرير  ، عن إبراهيم  ، سأل رجل الأسود  ، كم أصلي الضحى؟ قال : كم شئت . 
وطائفة ثانية ، ذهبت إلى أحاديث الترك ، ورجحتها من جهة صحة إسنادها ، وعمل الصحابة بموجبها ، فروى  البخاري  عن  ابن عمر  ، أنه لم يكن يصليها ، ولا أبو بكر  ، ولا عمر   . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال : لا إخاله  . وقال  وكيع   : حدثنا  سفيان الثوري  ، عن عاصم بن كليب  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  ، قال : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى إلا يوما واحدا )  . 
وقال  علي بن المديني   : حدثنا  معاذ بن معاذ  ، حدثنا شعبة  ، حدثنا فضيل بن فضالة  ، عن  عبد الرحمن بن أبي بكرة  ، قال : رأى أبو بكرة  ناسا يصلون الضحى ، قال : ( إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه )
وفي "الموطأ" : عن مالك  ، عن  ابن شهاب  ، عن عروة  ، عن  عائشة  قالت : ( ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم )  . 
وقال  أبو الحسن علي بن بطال   : فأخذ قوم من السلف بحديث  عائشة  ، ولم يروا صلاة الضحى ، وقال قوم : إنها بدعة ، روى  الشعبي  ، عن قيس بن عبيد  ، قال كنت أختلف إلى  ابن مسعود  السنة كلها ، فما رأيته مصليا  [ ص: 342 ] الضحى  . وروى شعبة  ، عن سعد بن إبراهيم  ، عن أبيه أن (  عبد الرحمن بن عوف  ، كان لا يصلي الضحى ) وعن مجاهد  ، قال : دخلت أنا  وعروة بن الزبير  المسجد ، فإذا  ابن عمر  جالس عند حجرة  عائشة  ، وإذا الناس في المسجد يصلون صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم ، فقال بدعة ، وقال مرة : ونعمت البدعة  . 
وقال  الشعبي   : سمعت  ابن عمر  يقول : ( ما ابتدع المسلمون أفضل صلاة من الضحى ، ) وسئل  أنس بن مالك  عن صلاة الضحى ، فقال : الصلوات خمس . 
وذهبت طائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غبا ، فتصلى في بعض الأيام دون بعض ، وهذا أحد الروايتين عن أحمد  ، وحكاه  الطبري  عن جماعة ، قال : واحتجوا بما روى الجريري  ، عن عبد الله بن شقيق  ، قال : قلت  لعائشة   : ( أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه )  . ثم ذكر حديث أبي سعيد   : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ، حتى نقول : لا يدعها ، ويدعها ، حتى نقول : لا يصليها  ) وقد تقدم . ثم قال : كذا ذكر من كان يفعل ذلك من السلف . 
وروى شعبة  ، عن  حبيب بن الشهيد  ، عن عكرمة  ، قال : ( كان  ابن عباس  يصليها يوما ، ويدعها عشرة أيام يعني صلاة الضحى ) وروى شعبة  ، عن  عبد الله بن دينار  ، عن  ابن عمر  ، أنه كان لا يصلي الضحى ، فإذا أتى مسجد قباء  صلى ، وكان يأتيه كل سبت  . 
وروى سفيان  ، عن منصور  ، قال : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون  [ ص: 343 ] يعني صلاة الضحى  . وعن  سعيد بن جبير   : ( إني لأدع صلاة الضحى وأنا أشتهيها ، مخافة أن أراها حتما علي ) 
وقال مسروق   : كنا نقرأ في المسجد ، فنبقى بعد قيام  ابن مسعود  ، ثم نقوم ، فنصلي الضحى ، فبلغ  ابن مسعود  ذلك فقال : لم تحملون عباد الله ما لم يحملهم الله؟! إن كنتم لا بد فاعلين ، ففي بيوتكم . وكان أبو مجلز  يصلي الضحى في منزله  . 
قال هؤلاء : وهذا أولى ؛ لئلا يتوهم متوهم وجوبها بالمحافظة عليها ، أو كونها سنة راتبة ، ولهذا قالت  عائشة   : ( لو نشر لي أبواي ما تركتها ) فإنها كانت تصليها في البيت حيث لا يراها الناس . 
وذهبت طائفة رابعة إلى أنها تفعل بسبب من الأسباب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما فعلها بسبب ، قالوا : وصلاته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعات ضحى  ، إنما كانت من أجل الفتح ، وأن سنة الفتح أن تصلى عنده ثمان ركعات ، وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح . 
وذكر  الطبري  في "تاريخه" عن  الشعبي  قال : ( لما فتح  خالد بن الوليد  الحيرة  ، صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن ، ثم انصرف ) قالوا : وقول  أم هانئ   "وذلك ضحى" . تريد أن فعله لهذه الصلاة كان ضحى ، لا أن الضحى اسم لتلك الصلاة . 
قالوا : وأما صلاته في بيت عتبان بن مالك  ، فإنما كانت لسبب أيضا ، فإن عتبان  قال له : إني أنكرت بصري ، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي ، فوددت أنك جئت ، فصليت في بيتي مكانا أتخذه مسجدا ، فقال : ( أفعل إن شاء الله تعالى ) قال : فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر  معه بعدما اشتد النهار فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : "أين تحب أن أصلي من بيتك "؟ فأشرت إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه ، فقام وصففنا خلفه ، وصلى ، ثم  [ ص: 344 ] سلم ، وسلمنا حين سلم ) متفق عليه . 
فهذا أصل هذه الصلاة وقصتها ، ولفظ  البخاري  فيها ، فاختصره بعض الرواة عن عتبان  ، فقال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتي سبحة الضحى ، فقاموا وراءه فصلوا ) 
وأما قول  عائشة   : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه ، فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب ، فإنه صلى الله عليه وسلم ( كان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فصلى فيه ركعتين  ) 
فهذا كان هديه ،  وعائشة  أخبرت بهذا وهذا ، وهي القائلة : ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى قط  ) 
 [ ص: 345 ] فالذي أثبتته فعلها بسبب ، كقدومه من سفر ، وفتحه ، وزيارته لقوم ونحوه ، وكذلك إتيانه مسجد قباء  للصلاة فيه ، وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب  ، حدثنا محمد بن أبي بكر  ، حدثنا سلمة بن رجاء  ، حدثتنا الشعثاء  ، قالت : رأيت  ابن أبي أوفى  صلى الضحى ركعتين يوم بشر برأس أبي جهل   . فهذا إن صح فهي صلاة شكر وقعت وقت الضحى ، كشكر الفتح . 
والذي نفته ، هو ما كان يفعله الناس ، يصلونها لغير سبب ، وهي لم تقل : إن ذلك مكروه ، ولا مخالف لسنته ، ولكن لم يكن من هديه فعلها لغير سبب . 
وقد أوصى بها وندب إليها ، وحض عليها ، وكان يستغني عنها بقيام الليل ، فإن فيه غنية عنها ، وهي كالبدل منه ، قال تعالى : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا   ) [ الفرقان : 62 ] قال  ابن عباس  ، والحسن  ، وقتادة   : ( عوضا وخلفا يقوم أحدهما مقام صاحبه ، فمن فاته عمل في أحدهما ، قضاه في الآخر ) 
قال قتادة   ( فأدوا لله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار ، فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ، ويقربان كل بعيد ، ويبليان كل جديد ، ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة )  . 
وقال شقيق   : جاء رجل إلى  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه فقال : فاتتني الصلاة الليلة ، فقال : ( أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك ، فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا )  . 
قالوا : وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على هذا ، فإن  ابن عباس  كان يصليها يوما ، ويدعها عشرة ، وكان  ابن عمر  لا يصليها ، فإذا أتى مسجد قباء  ، صلاها ، وكان يأتيه كل سبت . 
وقال سفيان  ، عن منصور   : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون ، قالوا : ومن هذا الحديث الصحيح عن أنس  ، أن رجلا من الأنصار كان ضخما ، فقال  [ ص: 346 ] للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لا أستطيع أن أصلي معك ، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، ودعاه إلى بيته ، ونضح له طرف حصير بماء ، فصلى عليه ركعتين . قال أنس   : ( ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم ) رواه  البخاري   . 
ومن تأمل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة ، وجدها لا تدل إلا على هذا القول ، وأما أحاديث الترغيب فيها ، والوصية بها ، فالصحيح منها كحديث  أبي هريرة  وأبي ذر  لا يدل على أنها سنة راتبة لكل أحد ، وإنما أوصى  أبا هريرة  بذلك ، لأنه قد روي أن  أبا هريرة  كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة ، فأمره بالضحى بدلا من قيام الليل ، ولهذا أمره ألا ينام حتى يوتر ، ولم يأمر بذلك أبا بكر  وعمر  وسائر الصحابة . 
وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال ، وبعضها منقطع ، وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به ، كحديث يروى عن أنس مرفوعا ( من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلا عن علة ، كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر من نور  ) وضعه زكريا بن دويد الكندي  ، عن حميد   . 
وأما حديث يعلى بن أشدق  ، عن عبد الله بن جراد  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( من صلى منكم صلاة الضحى ، فليصلها متعبدا ، فإن الرجل ليصليها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها ، فتحن إليه كما تحن الناقة إلى ولدها إذا فقدته  ) . فيا عجبا للحاكم  كيف يحتج بهذا وأمثاله ، فإنه يروي هذا الحديث في كتاب  [ ص: 347 ] أفرده للضحى ، وهذه نسخة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني نسخة  يعلى بن الأشدق   . 
وقال  ابن عدي   : روى  يعلى بن الأشدق  ، عن عمه عبد الله بن جراد  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منكرة ، وهو وعمه غير معروفين ، وبلغني عن  أبي مسهر  ، قال : قلت  ليعلى بن الأشدق   : ما سمع عمك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : جامع سفيان  ، وموطأ مالك  ، وشيئا من الفوائد . 
وقال  أبو حاتم بن حبان   : لقي يعلى  عبد الله بن جراد  ، فلما كبر ، اجتمع عليه من لا دين له ، فوضعوا له شبها بمائتي حديث ، فجعل يحدث بها وهو لا يدري ، وهو الذي قال له بعض مشايخ أصحابنا : أي شيء سمعته من عبد الله بن جراد؟  فقال : هذه النسخة ، وجامع سفيان   - لا تحل الرواية عنه بحال . 
وكذلك حديث عمر بن صبح  عن  مقاتل بن حيان  ، حديث  عائشة  المتقدم : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ثنتي عشرة ركعة  ) وهو حديث طويل ذكره الحاكم  في "صلاة الضحى" وهو حديث موضوع ، المتهم به عمر بن صبح  ، قال  البخاري   : حدثني يحيى  ، عن علي بن جرير  ، قال : سمعت عمر بن صبح  يقول : أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال  ابن عدي   : منكر الحديث . 
وقال  ابن حبان   : يضع الحديث على الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب منه ، وقال  الدارقطني   : متروك ، وقال الأزدي   : كذاب . 
وكذلك حديث عبد العزيز بن أبان  ، عن  الثوري  ، عن  حجاج بن فرافصة  ، عن مكحول  ، عن  أبي هريرة  مرفوعا ( من حافظ على سبحة الضحى ، غفرت ذنوبه ، وإن كانت بعدد الجراد ، وأكثر من زبد البحر  ) ذكره الحاكم  أيضا . وعبد العزيز  هذا ، قال  ابن نمير   : هو كذاب ، وقال يحيى   : ليس بشيء ، كذاب خبيث يضع الحديث ، وقال  البخاري  ،  والنسائي  ،  والدارقطني   : متروك الحديث . 
 [ ص: 348 ] وكذلك حديث النهاس بن قهم  ، عن شداد  ، عن  أبي هريرة  يرفعه ( من حافظ على شفعة الضحى ، غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر  ) والنهاس  ، قال يحيى   : ليس بشيء ضعيف كان يروي عن عطاء  ، عن  ابن عباس  أشياء منكرة ، وقال  النسائي   : ضعيف ، وقال  ابن عدي   : لا يساوي شيئا ، وقال  ابن حبان   : كان يروي المناكير عن المشاهير ، ويخالف الثقات ، لا يجوز الاحتجاج به ، وقال  الدارقطني   : مضطرب الحديث ، تركه  يحيى القطان   . 
وأما حديث حميد بن صخر  ، عن المقبري  ، عن  أبي هريرة   : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا الحديث ، وقد تقدم . فحميد  هذا ضعفه  النسائي  ،  ويحيى بن معين  ، ووثقه آخرون ، وأنكر عليه بعض حديثه ، وهو ممن لا يحتج به إذا انفرد . والله أعلم . 
وأما حديث محمد بن إسحاق  ، عن موسى  ، عن عبد الله بن المثنى  ، عن أنس  ، عن عمه ثمامة  ، عن أنس  يرفعه ( من صلى الضحى ، بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب  ) ، فمن الأحاديث الغرائب ، وقال  الترمذي   : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . 
وأما حديث نعيم بن همار   : ( ابن آدم لا تعجز لي عن أربع ركعات في أول النهار ، أكفك آخره  ) ، وكذلك حديث  أبي الدرداء  ، وأبي ذر  ، فسمعت  شيخ الإسلام ابن تيمية  يقول : هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					