فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سجود القرآن   . 
كان صلى الله عليه وسلم ، إذا مر بسجدة كبر وسجد ، وربما قال في سجوده " سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته  " . 
وربما قال : " اللهم احطط عني بها وزرا ، واكتب لي بها أجرا ، واجعلها لي عندك ذخرا ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود  " ذكرهما أهل السنن . 
ولم يذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود ولذلك لم يذكره  [ ص: 352 ] الخرقي  ومتقدمو الأصحاب ، ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة . وأنكر أحمد   والشافعي  السلام فيه ، فالمنصوص عن  الشافعي   : إنه لا تشهد فيه ولا تسليم , وقال أحمد   : أما التسليم فلا أدري ما هو ، وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره . 
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد في ( الم تنزيل ) ، وفي ( ص ) ، وفي ( النجم )  وفي ( إذا السماء انشقت   ) ، وفي ( اقرأ باسم ربك الذي خلق   ) . 
وذكر أبو داود  عن  عمرو بن العاص  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أقرأه خمس عشرة سجدة ، منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان  ) . 
وأما حديث  أبي الدرداء   : سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ، ليس فيها من المفصل شيء : ( الأعراف ) ، و ( الرعد ) ، و ( النحل ) ، و ( بني إسرائيل ) ، و ( مريم ) ، و ( الحج ) ، و ( سجدة الفرقان ) ، و ( النمل ) ، و ( السجدة ) ، و ( ص ) ، و ( سجدة الحواميم ) ، فقال أبو داود   : روى  أبو الدرداء  عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ، وإسناده واه . 
وأما حديث  ابن عباس  رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل منذ تحول إلى المدينة   . رواه أبو داود  ، فهو حديث ضعيف ، في إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد  ، لا يحتج بحديثه . قال  الإمام أحمد   : أبو قدامة  مضطرب الحديث . وقال  يحيى بن معين   : ضعيف ، وقال  النسائي   : صدوق عنده  [ ص: 353 ] مناكير ، وقال  أبو حاتم البستي   : كان شيخا صالحا ممن كثر وهمه . وعلله  ابن القطان   بمطر الوراق  ، وقال : كان يشبهه في سوء الحفظ  محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى  ، وعيب على  مسلم  إخراج حديثه . انتهى كلامه . 
ولا عيب على  مسلم  في إخراج حديثه ، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه ، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة ، ومن ضعف جميع حديث سيئ الحفظ ، فالأولى : طريقة الحاكم  وأمثاله ، والثانية : طريقة  أبي محمد ابن حزم  وأشكاله ، وطريقة  مسلم  هي طريقة أئمة هذا الشأن ، والله المستعان . 
وقد صح عن  أبي هريرة  أنه سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في ( اقرأ باسم ربك الذي خلق   ) ، وفي ( إذا السماء انشقت   )  ، وهو إنما أسلم بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة  بست سنين أو سبع ، فلو تعارض الحديثان من كل وجه ، وتقاوما في الصحة ، لتعين تقديم حديث  أبي هريرة  ، لأنه مثبت معه زيادة علم خفيت على  ابن عباس  ، فكيف وحديث  أبي هريرة  في غاية الصحة متفق على صحته ، وحديث  ابن عباس  فيه من الضعف ما فيه . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					