الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) فسدت إجارة على ( حمل طعام ) مثلا ( لبلد ) بعيد لا يجوز تأخير قبض المعين إليه ( بنصفه ) مثلا لما فيه من بيع معين يتأخر قبضه فإن وقع فأجر مثله ، والطعام كله لربه ( إلا أن يقبضه ) أي الجزء المستأجر به ( الآن ) أي حين العقد بالفعل لعرف أو يشترط قبضه الآن ، ولو لم يقبض بالفعل لعدم العلة المتقدمة فهذه المسألة من أفراد الإجارة بمعين فيجري فيها تفصيله ، وهو أنه إن وقعت ، والعرف التعجيل فلا بد منه ، وإلا فسدت ، وإن كان العرف التأخير أو لا عرف فلا بد من اشتراط التعجيل ، وإلا فسدت ويغتفر التأخير اليسير كالثلاثة الأيام ( وكإن ) أي وكقوله إن ( خطته اليوم ) مثلا فهو ( بكذا ) من الأجر كعشرة ( وإلا ) تخطه اليوم بل أزيد ( فبكذا ) أي بأجر أقل كثمانية ففاسدة للجهل بقدر الأجرة فإن وقع فله أجر مثله ، ولو زاد على المسمى خاطه في اليوم أو في أكثر ( واعمل على دابتي ) ، ولم يقيد باحتطاب ، ولا غيره ( فما حصل ) من ثمن أو أجرة ( فلك نصفه ) مثلا ففاسدة للجهل بقدر الأجرة [ ص: 8 ] وكذا في داري أو حمامي أو سفينتي ونحوها فيتعين الفسخ إن لم يعمل فإن عمل فأشار له بقوله ( وهو ) أي ما حصل من عمله ( للعامل ) وحده ( وعليه أجرتها ) أي أجرة مثلها لربها بالغا ما بلغ ، ومثل ذلك إذا قال له اعمل عليها فأكراها على الأرجح أو قال له أكرها ، وما حصل فلك نصفه فعمل عليها ( عكس ) خذها ( لتكريها ) ، وما حصل فلك نصفه فأكراها فما حصل فلربها وعليه للعامل أجر مثله ; لأنه آجر نفسه إجارة فاسدة فالصور أربع ثلاثة منها الأجر فيها للعامل وعليه أجرتها والرابعة بالعكس إلا أن الثانية فيها قولان مرجحان ، وما قدمناه قول ابن القاسم فيها .

( وكبيعه ) عطف على قوله كمع جعل ( نصفا ) لكثوب بدينار يدفعه الأجير لربه ( بأن ) أي على أن ( يبيع ) له ( نصفا ) ثانيا أي باعه نصف السلعة بدينار مثلا على أن يبيع له النصف الثاني فصار ثمن النصف المبيع للسمسار مجموع الدينار والسمسرة على بيع النصف الثاني إن أبهم في محل البيع أو عين غير بلد العقد ; لأنه بيع معين يتأخر قبضه ( إلا بالبلد ) أي إلا أن يكون محل البيع بالبلد الذي هما به فيجوز ; لأنه متمكن من قبض نصيبه من الآن ويلحق به بلد قريب يجوز تأخير قبض المعين له وللجواز شرطان زيادة على اشتراط تعيين البلد أشار لهما بقوله ( إن أجلا ) أي ضربا لبيع النصف الثاني أجلا ليكون إجارة محضة ، وهي تجامع البيع فيخرجان عن بيع وجعل ( ولم يكن الثمن ) أي ثمن العمل الذي هو السمسرة على بيع النصف الآخر ، وهو النصف المدفوع للسمسار ( مثليا ) وحينئذ فهو مساو للتعبير بالمثمن أو المبيع نعم التعبير بما ذكر أوضح فلو كان المبيع مثليا منع ; لأنه قد يصير تارة إجارة وسلفا ; لأنه قبض إجارته ، وهي مما لا يعرف بعينه فيصير سلفا إن باع في نصف الأجل [ ص: 9 ] لأنه يرد حصة ذلك وتارة يكون ثمنا إن باع في آخر الأجل أو مضى الأجل ، ولم يبع فتردد العقد بين الممنوع وهو إجارة وسلف ، والجائز وهو الثمن ويفهم من هذا أنه إذا شرط عليه أنه إن باع في أثناء الأجل لا يرد له باقي الثمن بل يتركه له أو يأتيه بطعام آخر يبيعه له أنه يجوز ، وهو كذلك .

التالي السابق


( قوله : لبلد بعيد لا يجوز تأخير المعين إليه ) أي بأن كانت على مسافة أربعة أيام فأكثر . ( قوله : فإن وقع فأجر مثله والطعام كله لربه ) هذا أحد قولين وصوبه ابن يونس وقيل نصفه للحمال ويضمن مثله في المواضع الذي حمل منه ، وله كراء مثله في النصف الآخر نظير ما مر في دبغ الجلود إذا استأجره بشيء منها إذ فرغ واختار هذا القول ابن عرفة وأبو الحسن ( قوله : لعرف ) أي أو يشترط قبضه أي ، وأما قبضه بالفعل والحال أنه لا عرف ، ولا شرط فلا يكفي في الصحة ( قوله : وإلا فسدت ) أي ، وإلا يحصل تعجيل فسدت ( قوله : فلا بد من اشتراط التعجيل ) أي ، وإن لم يحصل تعجيل بالفعل وقوله : وإلا فسدت أي ، ولو حصل تعجيل بالفعل ( قوله : ويغتفر التأخير إلخ ) أي فيما إذا كان العرف التعجيل ( قوله : ففاسدة للجهل بقدر الأجرة ) اعلم أن محل فساد هذه الصورة إذا وقع العقد على الإلزام ، ولو لأحد المتعاقدين فإن كان الخيار لكل منهما جاز وذلك ; لأن الغرر لا يعتبر مع الخيار ; لأنه إذا اختار أمرا فكأنه ما عقد إلا عليه إذ عقد الخيار منحل .

وأما دفع دراهم بعد العقد زيادة على الأجرة ليسرع له بالعمل فذلك جائز كما في ح . ( قوله : ولم يقيد باحتطاب ، ولا غيره ) بل ، ولو قيد إنما الفرق بين ما هنا وبين قوله الآتي وجاز بنصف ما يحتطب أن ما هنا أريد به قسمة الأثمان ، وما يأتي أريد به قسمة نفس الحطب لا أنهما يقتسمان ثمنه كما نقله بن عن أبي الحسن ( قوله : فما حصل من ثمن أو أجرة ) أي فما حصل من ثمن المحمول كالحطب والماء وقوله : أو أجرة أي أجرة [ ص: 8 ] المحمول كآدمي يركبها ( قوله : وكذا في داري أو حمامي أو سفينتي ) تبع الشارح في ذلك عبق قال بن ، وفيه نظر ; لأنه إنما ذكر في المدونة السفينة والدار والحمام في مسألة العكس أعني لتكريها كما في ح قال عياض ما لا يذهب به ، ولا عمل له كالرباع فهو فيها أجير والكسب لربها ويستوي فيها اعمل ، وأجر وأكر ونقل ذلك أبو الحسن ، وأقره . ا هـ .

( قوله : وعليه أجرتها ) أي ; لأن العامل كأنه اكترى ذلك كراء فاسدا ابن يونس ، ولو عمل فلم يجد شيئا كان مطالبا بالكراء ; لأنه متعلق بذمته وخالفه ابن حبيب فقال إن عاقه عن العمل عائق وعرف ذلك العائق فلا شيء عليه ( قوله : فالصور أربع ) أي ; لأن رب الدابة إما أن يقول له اعمل على دابتي ، وما عملت به فلك نصفه ، وإما أن يقول له خذ دابتي أكرها ، ولك نصف كرائها ، وفي كل إما أن يعمل عليها بنفسه أو يكريها لمن يعمل عليها فهذه أربع صور وكلها فاسدة ( قوله : والرابعة بالعكس ) أي ما حصل فيها من الأجر فهو لربها وعليه للعامل أجرة مثله في تولية العقد فلو أعطاها له ليكريها ، وله نصف الكراء فأكراها لمن يسافر عليها وسافر معها ليسوقها كان له أجرة سوقه وتوليه لعقد الكراء ، وما بقي من الكراء لربها كما قال الأقفهسي ( قوله : وما قدمناه قول ابن القاسم فيها ) أي ، وهو أن الحاصل من الأجرة للعامل وعليه لربها أجرتها ومقابله أن الحاصل من الأجرة لربها وعليه أجرة العامل .

( قوله : على أن يبيع له نصفا ) أشار الشارح بهذا إلى أن الباء بمعنى على على حد قوله تعالى { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار } وقصد بذلك الجواب عن المصنف فإن ظاهره أن صورة المسألة أنه باعه نصفا بسبب بيعه النصف الثاني أي أنه جعل ثمن النصف سمسرته على النصف الثاني ، والمسألة على هذا الفرض لم يكن فيها بيع ، وإنما هو إجارة إن أجل وجعل إن لم يؤجل ، وهي على كل حال جائزة فكيف يجعلها المصنف ممنوعة وحاصل الجواب أن الباء بمعنى على بدليل تقييده الجواز بقوله إن أجلا ووجه الدلالة أن التقييد بالتأجيل يمنع من كون العقد جعالة ; لأن الأجل يفسدها ، ولو كان إجارة محضة لاكتفى فيها بالتعيين بالعمل فشرطه التأجيل يشير إلى أنها مسألة اجتماع بيع ، وإجارة لا إجارة فقط ، ولا جعالة فقط .

( قوله : أو عين غير بلد العقد ) أي أو عين محلا للبيع غير بلد العقد ، والحال أن بينه وبين بلد العقد أكثر من ثلاثة أيام .

( قوله : لأنه بيع معين إلخ ) هذا علة المنع ( قوله : لأنه متمكن من قبض نصيبه من الآن ) أي لقدرته على بيع نصيب ربه ( قوله : إن أجلا ) أي ، وإن كان الأجل بعيدا لا يجوز تأخير المعين إليه بأن كان زائدا على ثلاثة أيام كما في الذخيرة عن المدونة خلافا لأبي الحسن فإن باع النصف في نصف الأجل كان له نصف الأجرة التي هي بعض نصف السلعة التي في مقابلة السمسرة ; لأن النصف بعضه في مقابلة الدينار ، وهو بيع ، وبعضه في مقابلة السمسرة ، وهو إجارة ، وإن مضى الأجل ، ولم يبع فله الأجر كاملا ; لأنه مجعول على السمسرة لا على البيع ( قوله : وحينئذ ) أي وحين إذا كان المراد بالثمن ثمن العمل فهو مساو للتعبير بالمثمن وبالمبيع أي ; لأن نصف السلعة مثمن وثمنه العمل والدينار ، ومبيع بالعمل والدينار ( قوله : فلو كان المبيع مثليا ) [ ص: 9 ] توضيح ذلك أنه إذا أعطاه إردبين أحدهما في مقابلة دينار والسمسرة على الإردب الثاني عشرة أيام فقد قبض الإجارة على الإردب الثاني وهو نصف الإردب الأول فإذا باع الإردب في خمسة أيام رد نصف نصف الإردب الذي أخذه في مقابلة السمسرة عشرة أيام ، وإن باع الإردب في اليوم العاشر أو مضى العاشر ، ولم يبع فلا يرد شيئا فقد ترددت تلك الأجرة وهي نصف الإردب بين كون بعضه إجارة وبعضه سلفا وبين كون كله ثمنا ( قوله : لأنه يرد حصة ذلك ) أي الباقي من الأجل ( قوله : وهو كذلك ) أي فقول المصنف ، ولم يكن الثمن مثليا أي فإن كان مثليا منع إلا أن يشترط الأجير أنه إن باع في أثناء الأجل لم يرد شيئا ، وإلا جاز .




الخدمات العلمية