الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وأجير ) لصانع لا ضمان عليه كأن يعمل بحضرة صانعه أم لا ( كسمسار ) يطوف بالسلع في الأسواق لا ضمان عليه ( إن ظهر خيره ) أي أمانته [ ص: 27 ] ( على الأظهر ) ، وإلا ضمن ( ونوتي ) ، وهو عامل السفينة ( غرقت سفينته بفعل سائغ ) في سيرها أو حملها ، وإلا ضمن المال أو الدية ما لم يتعمد القتل ، وإلا قتل ( لا ) ( إن خالف ) راع ( مرعى شرط ) عليه ( فهلكت أو ضاعت ) فيضمن ( أو أنزى ) الراعي أي أطلق الفحل على الإناث ( بلا إذن ) من ربها فيضمن إن عطبت تحت الفحل أو من الولادة إلا لعرف بأن الرعاة تنزي ( أو غر ) المكتري ( بفعل ) كقول انضم له شرط كما تقدم ( فقيمته ) أي يضمن قيمته ( يوم التلف ) في موضع التلف ، وله من الكراء بحسابه طعاما كان أو غيره قامت بينة بتلفه بالعثار ونحوه أم لا .

التالي السابق


( قوله : وأجير لصانع ) أي لا ضمان على أجير عند صانع أي ، وأما الصانع نفسه فسيأتي ضمانه ثم إن أجير الصانع لا ضمان عليه لا للصانع ، ولا لرب الشيء المصنوع الذي تلف ; لأنه أمين للصانع ما لم يفرط ، وقوله : كأن يعمل بحضرة صانعه أم لا أشار بهذا إلى أنه لا ضمان عليه مطلقا سواء غاب على مصنوعه أم لا ، وقال أشهب في الغسال تكثر عنده الثياب فيؤاجر آخر يبعثه للبحر بشيء منها يغسله فيدعي تلفه أنه ضامن . ا هـ . وكلام التوضيح والمواق عن ابن رشد يفيد أن كلام أشهب تقييد للمشهور لا مقابل له ، وحينئذ فيقيد كلام المصنف بما إذا لم يغب الأجير عن الصانع بالشيء المصنوع خلافا لتت القائل إن كلام أشهب مقابل للمشهور ، وهو عدم ضمان أجير الصانع مطلقا انظر بن .

( قوله : يطوف بالسلع في الأسواق ) أي للمزايدة ، احترز بذلك من السمسار الجالس في حانوته فإنه يضمن مطلقا ظهر خيره أم لا ; لأنه يأخذ السلع عنده فصار كالصانع ( قوله : لا ضمان عليه إن ظهر خيره ) أي إن كان مشهورا بالخير والصلاح بين الناس وقوله : لا ضمان عليه أي لا في الثوب مثلا ، ولا في ثمنها إذا ضاعا ، ولا فيما يحصل فيها من تمزيق أو خرق بسبب نشر أو طي إذا [ ص: 27 ] لم يخرج عما أذن له فيه انظر شب وقيد بعضهم عدم ضمان من ظهر خيره بما إذا لم ينصب نفسه للسمسرة ، ، وإلا ضمن كالصانع وقد اعتبر ابن عرفة هذا القيد كما في بن ( قوله : على الأظهر ) أي عند ابن رشد .

اعلم أن السمسار الطواف في المزايدة قيل لا ضمان عليه وقيل يضمن وقال ابن رشد من عنده لا ضمان عليه إن ظهر خيره ، إذا علمت هذا تعلم أن تعبير المصنف بصيغه الاسم لا ينبغي وكان الأولى أن يعبر بصيغة الفعل ; لأن هذا القول لابن رشد من عند نفسه اللهم إلا أن يقال إن هذا القول لما كان لا يخرج عن إطلاق القولين في الضمان وعدمه كان اختيارا من الخلاف على أن عياضا وغيره رجح القول بعدم الضمان مطلقا حتى قال طفى ما كان ينبغي للمصنف العدول عنه انظر بن ( قوله : ونوتي ) أي ، ولا ضمان على نوتي غرقت سفينته بفعل سائغ أي فعله فيها في سيرها كتحويل الراجع ونشر القلع ، ومشي في ريح أو موج إذا كان ذلك معتادا وقوله : أو حملها أي كوسقها الوسق المعتاد لأمثالها بحيث لا يقرب الماء من حافتها ، وإذا كان لا ضمان على النوتي إذا غرقت سفينته بفعل سائغ فأولى ما إذا غرقت بغير فعل كهيجان البحر واختلاف الريح مع عجزه عن صرفها لشيء ترجى سلامتها معه .

( قوله : وهو عامل السفينة ) أي من ينسب سيرها له واحدا كان أو متعددا كان ربها أو غيره .

واعلم أنه لا أجرة إذا غرقت في أثناء المسافة وكذا بعد تمامها وقبل التمكن من إخراج الحمل أما لو غرقت بعد تمام المسافة وبعد مضي مدة يمكن إخراج الأحمال منها فإنه لا ضمان على النوتي ، وله الأجرة كاملة انظر شب ويجوز الطرح من السفينة عند خوف غرقها ويوزع ما طرح على مال التجارة فقط ، ولا سبيل لطرح الآدمي ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو كافرا خلافا للخمي القائل بجواز طرح الآدميين بالقرعة ; لأن هذا كالخرق للإجماع على أنه لا يجوز إماتة أحد من الآدميين لنجاة غيره ( قوله : أو خالف مرعى شرط ) كأن يقال له لا ترع إلا في المحل الفلاني فخالف ورعى في غيره أو لا ترعى في محل رعي الجاموس فخالف ورعى فيه فتلف فإنه يضمن القيمة يوم التعدي وكأن شرط عليه أن لا يرعى في الأربعينية قبل ارتفاع الندى فخالف ورعى فيها قبله فإنه يضمن والأربعينية عشرة أيام من كيهك وطوبة كلها ، ومحل ضمانه إذا خالف مرعى شرط إذا كان بالغا ، وإلا فلا ضمان لقول المصنف وضمن ما أفسد إن لم يؤمن عليه ( قوله : إلا لعرف بأن الرعاة تنزي ) أي فإذا جرى العرف بذلك فلا ضمان اتفاقا كما أنه إذا كان العرف عدم الإنزاء فلا خلاف في الضمان فإن لم يجر العرف بشيء فقولان بالضمان وعدمه والمعتمد الأول ، وهو ما مشى عليه المصنف ، ومحل الخلاف إذا كان الفحل لرب الأنثى ، وإلا ضمن اتفاقا ( قوله : أو غر بفعل ) أي وتلف ما غر فيه بسبب غروره ( قوله : فقيمته يوم التلف ) راجع لقوله أو غر بفعل ، وأما إن خالف مرعى شرط أو أنزى بلا إذن فيضمن فيهما يوم التعدي وقد يكون قبل يوم التلف وقد يكون يومه قاله عج ( قوله : وله من الكراء بحسابه ) هذا إنما يأتي على قول أصبغ وروايته عن أبي إسحاق أن الإجارة تنفسخ بتلف ما يستوفى به مطلقا ، وهو المشهور وخلاف مذهب المدونة ، وإذا كانت تنفسخ على هذا القول فلا يلزمه حمل مثله بقية المسافة كما هو ظاهر والمعتمد أن له الكراء بتمامه ويلزمه حمل مثله من موضع الهلاك إن أتى له ربه بمثله انظر بن .




الخدمات العلمية