ولما كان لزوال ما فيه الدية علامة يعرف بها زوال الكل ، أو البعض شرع في بيان ذلك بقوله ( وجرب العقل ) المشكوك في زواله ( بالخلوات ) ولا بد من تكرر الخلوات ويتجسس عليه فيها هل يفعل أفعال العقلاء ، أو غيرهم ويحتمل أنا نجلس معه فيها ونحادثه ونسايره في الكلام حتى نعلم خطابه وجوابه فإن علم أهل المعرفة ما نقص منه بالجناية عمل بذلك ، وإن شكوا أنقص الربع ، أو الثلث حمل في العمد على الثاني ; لأن الظالم أحق بالحمل عليه وفي الخطإ على الأول ; لأن الأصل براءة الذمة فلا نكلف بمشكوك فيه وظاهر أن المدعي هنا هو ولي المجني عليه ، أو من يقوم مقامه .
( و ) جرب ( السمع ) أي اختبر نقصانه حيث ادعى المجني عليه النقص من إحدى أذنيه بدليل ما يأتي ( بأن يصاح ) مع سكون الريح ( من أماكن مختلفة ) يعني من الجهات الأربع ووجه الصائح لوجهه في كل جهة ( مع سد ) الأذن ( الصحيحة ) سدا محكما ويكون النداء من مكان بعيد ، ثم يقرب منه شيئا فشيئا حتى يسمع ويجوز العكس أي يصاح عليه من مكان قريب ، ثم يتباعد الصائح شيئا فشيئا حتى يسمع ويجوز العكس أي يصاح عليه من مكان قريب ، ثم يتباعد الصائح شيئا فشيئا حتى لا يسمع ، ثم تفتح الصحيحة وتسد الأخرى [ ص: 275 ] ويصاح به كذلك ، ثم ينظر أهل المعرفة ما نقص من سمع المجني عليها ( ونسب لسمعه الآخر ) الكائن في الصحيحة ويؤخذ من الدية النسبة ( وإلا ) تكن الجناية في إحدى الأذنين بل فيهما معا ولكن فيهما بقية ، أو في إحداهما ، أو كانت على الجناية على إحداهما ، والثانية ليست صحيحة قبل ذلك ( فسمع وسط ) يعتبر ويقضى له بالدية بالنسبة إليه أي يعتبر سمع وسط لا في غاية الحدة ولا الثقل من رجل مثل المجني عليه في السن ، والمزاج فيوقف في مكان ويصاح عليه كما تقدم حتى يعلم انتهاء سماعه ، ثم يوقف المجني عليه في مكانه فيصاح عليه كذلك وينظر ما نقص من سمعه عن سمع الرجل المذكور ويؤخذ من الدية بتلك النسبة ، وهذا إذا لم يعلم سمعه قبل الجناية ، وإلا عمل على ما علم من قوة ، أو ضعف بلا اعتبار سمع وسط فقوله .
( وله نسبته ) راجع للمسألتين أي له من الدية بنسبة سمعه الصحيح إن كانت أذنه الأخرى صحيحة ، أو بنسبة سمع وسط إن لم تكن الأخرى صحيحة ، لكن بشرطين الأول ( إن حلف ) على ما ادعى من أن هذا غاية ما انتهى سمعه إليه ، والثاني أشار له بقوله ( ولم يختلف قوله ) في ذلك اختلافا بينا ( وإلا ) يحلف ، أو اختلف قوله اختلافا بينا بأن يكون من جهة قدر ميل ومن الأخرى نصف ميل ( فهدر ) أي لا شيء له لظهور كذبه ( و ) جرب ( البصر بإغلاق ) العين ( الصحيحة كذلك ) أي كما مر في تجربة السمع من أماكن مختلفة ، ثم تغلق المصابة وينظر انتهاء ما أبصرت الصحيحة وتعرف النسبة فإن جنى عليهما وفيهما بقية اعتبر بصر وسط وله من الدية بنسبة ذلك ( و ) جرب ( الشم ) المدعي زواله ( برائحة حادة ) أي منفرة للطبع كرائحة جيفة وأمر بالمكث عندها مقدار كذا من الزمن ليعلم حاله ; إذ المتصف بالشم لا يكاد يصبر المدة الطويلة عندها فإن ادعى زوال بعضه صدق بيمينه ونسب لشم وسط كما قال ابن غازي .
( و ) جرب ( النطق بالكلام ) من المجني عليه ( اجتهادا ) أي بالاجتهاد من أهل المعرفة أي يرجع إلى ما يقوله أهل المعرفة باجتهادهم فيما نقص منه من ثلث ، أو ربع ، أو غير ذلك فإن شكوا ، أو اختلفوا فيما نقص عمل بالأحوط [ ص: 276 ] والظالم أحق بالحمل عليه ( و ) جرب ( الذوق بالمقر ) بفتح الميم وكسر القاف أي بالشيء المر الذي لا صبر عليه عادة .
( وصدق ) بالغ ( مدع ذهاب الجميع ) مما مر ( بيمين ) فمن ادعى ذهاب جميع سمعه ، أو جميع بصره ، أو جميع شمه ولم يمكن اختباره بما مر فإنه يصدق بيمينه ( والضعيف من عين ورجل ونحوهما ) كيد ( خلقة ) ، أو لكبر ، أو بسماوي ( كغيره ) من القوي في القصاص ، والدية كاملة وفيه تكرار مع قوله وتؤخذ العين السليمة بالضعيفة خلقة إلخ إلا أن يحمل ما هنا على الخطإ وذلك على العمد كما حمل قوله وذكر وصحيح وضديهما على الجناية في النفس لدفع التكرار .
( وكذا ) العين ، أو الرجل ( المجني عليها ) خطأ قبل ذلك ، فهي كالصحيحة في القود ، والعقل كاملا ( إن لم يأخذ لها ) في الجناية الأولى ( عقلا ) فإن كان أخذ لها عقلا ، ثم حصل لها جناية ثانية فليس له من ديتها إلا بحسب ما بقي منها وأما المجني عليها عمدا فقد تقدم في قوله وتؤخذ العين السليمة بالضعيفة خلقة ومن كبر ، أو لجدري ، أو لكرمية ، فالقود إن تعمده ، وإلا فبحسابه وتقدم أنه يقيد قوله فبحسابه بما هنا أي حيث أخذ عقلا .
وقوله إن لم يأخذ لها عقلا أي لم يجب لها عقل بأن كان عمدا لا عقل له فإن وجب فبحسابه ولو لم يأخذه ; لأنه تبرع به للجاني ( و ) الدية كاملة [ ص: 277 ] ( في ) قطع ( لسان الناطق ) حيث منعه النطق ( وإن لم يمنع النطق قطعه ) من اللسان ( فحكومة كلسان الأخرس ) ففي قطعه الحكومة بالاجتهاد ( واليد الشلاء ) ، أو الرجل أي التي لا نفع فيها أصلا في قطعها الحكومة فإن كان بها نفع دخلت في قوله ، والضعيف من عين ، أو رجل .
( و ) كقطع ( الساعد ) ، وهو ما عدا الأصابع من اليد التي منتهاها المنكب في حكومة بالاجتهاد وسواء ذهب الكف بسماوي ، أو جناية أخذ لها عقلا أم لا ( و ) قطع ( أليتي المرأة ) بفتح الهمزة خطأ فيه حكومة قياسا على أليتي الرجل وقال أشهب فيهما الدية وفي العمد القصاص ( وسن مضطربة جدا ) بحيث لا يرجى ثبوتها فإن كانت مضطربة لا جدا ففيها العقل ( و ) قطع ( عسيب ذكر ) أي قصبته فيها الحكومة ( بعد ) ذهاب ( الحشفة ) ; لأن الدية إنما هي في الحشفة


