( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب    ) . 
أما قوله تعالى : ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب    ) فيه مسائل : 
 [ ص: 182 ] المسألة الأولى : الغرض من الآية بيان أن الله تعالى أوضح الدلائل ، وأزال الشبهات والقوم ما كفروا إلا لأجل التقصير  ، فقوله ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب    ) فيه وجوه : الأول : المراد بهم اليهود  ، واختلافهم أن موسى  عليه السلام لما قربت وفاته سلم التوراة إلى سبعين حبرا ، وجعلهم أمناء عليها واستخلف يوشع  ، فلما مضى قرن بعد قرن اختلف أبناء السبعين من بعد ما جاءهم العلم في التوراة بغيا بينهم ، وتحاسدوا في طلب الدنيا . والثاني : المراد النصارى  واختلافهم في أمر عيسى  عليه السلام بعدما جاءهم العلم بأنه عبد الله ورسوله . والثالث : المراد اليهود  والنصارى  واختلافهم هو أنه قالت اليهود  عزير  ابن الله ، وقالت النصارى  المسيح  ابن الله وأنكروا نبوة محمد  صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : نحن أحق بالنبوة من قريش  ، لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب . 
المسألة الثانية : قوله ( إلا من بعد ما جاءهم العلم    ) المراد منه إلا من بعد ما جاءتهم الدلائل التي لو نظروا فيها لحصل لهم العلم ، لأنا لو حملناه على العلم لصاروا معاندين ، والعناد على الجمع العظيم لا يصح ، وهذه الآية وردت في كل أهل الكتاب وهم جمع عظيم . 
المسألة الثالثة : في انتصاب قوله ( بغيا ) وجهان : 
الأول : قول الأخفش  إنه انتصب على أنه مفعول له أي للبغي كقولك : جئتك طلب الخير ومنع الشر . 
والثاني : قول الزجاج  إنه انتصب على المصدر من طريق المعنى ، فإن قوله ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب    ) قائم مقام قوله : وما بغى الذين أوتوا الكتاب فجعل ( بغيا ) مصدرا ، والفرق بين المفعول له وبين المصدر أن المفعول له غرض للفعل ، وأما المصدر فهو المفعول المطلق الذي أحدثه الفاعل . 
المسألة الرابعة : قال الأخفش  قوله ( بغيا بينهم    ) من صلة قوله ( اختلف ) والمعنى : وما اختلفوا بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ، وقال غيره : المعنى وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم إلا للبغي بينهم ، فيكون هذا إخبارا عن أنهم إنما اختلفوا للبغي ، وقال القفال    : وهذا أجود من الأول ، لأن الأول يوهم أنهم اختلفوا بسبب ما جاءهم من العلم ، والثاني يفيد أنهم إنما اختلفوا لأجل الحسد والبغي . 
ثم قال تعالى : ( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب    ) وهذا تهديد ، وفيه وجهان : 
الأول : المعنى فإنه سيصير إلى الله تعالى سريعا فيحاسبه أي يجزيه على كفره . 
والثاني : أن الله تعالى سيعلمه بأعماله ومعاصيه وأنواع كفره بإحصاء سريع مع كثرة الأعمال . 
				
						
						
