المسألة الثانية : قال - رضي الله عنه - : لا مهر أقل من عشرة دراهم ، وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : يجوز بالقليل والكثير ولا تقدير فيه . احتج الشافعي بهذه الآية ، وذلك لأنه تعالى قيد التحليل بقيد ، وهو الابتغاء بأموالهم ، والدرهم والدرهمان لا يسمى أموالا ، فوجب أن لا يصح جعلها مهرا . أبو حنيفة
فإن قيل : ومن عنده عشرة دراهم لا يقال عنده أموال ، مع أنكم تجوزون كونها مهرا .
قلنا : ظاهر هذه الآية يقتضي أن لا تكون العشرة كافية ، إلا أنا تركنا العمل بظاهر الآية في هذه الصورة لدلالة الإجماع على جوازه ، فتمسك في الأقل من العشرة بظاهر الآية .
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف ؛ لأن الآية دالة على أن الابتغاء بالأموال جائز ، وليس فيها دلالة على [ ص: 39 ] أن الابتغاء بغير الأموال لا يجوز ، إلا على سبيل المفهوم ، وأنتم لا تقولون به ، ثم نقول : الذي يدل على أنه لا تقدير في المهر وجوه :
الحجة الأولى : التمسك بهذه الآية ، وذلك لأن قوله : ( بأموالكم ) مقابلة الجمع بالجمع ، فيقتضي توزع الفرد على الفرد ، فهذا يقتضي أن يتمكن كل واحد من ابتغاء النكاح بما يسمى مالا ، والقليل والكثير في هذه الحقيقة وفي هذا الاسم سواء ، فيلزم من هذه الآية جواز . ابتغاء النكاح بأي شيء يسمى مالا من غير تقدير
الحجة الثانية : التمسك بقوله تعالى : ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) [ البقرة : 237 ] دلت الآية على سقوط النصف عن المذكور ، وهذا يقتضي أنه لو وقع العقد في أول الأمر بدرهم أن لا يجب عليه إلا نصف درهم ، وأنتم لا تقولون به .
الحجة الثالثة : الأحاديث : منها ما روي ، فقال عليه الصلاة والسلام : " رضيت من نفسك بنعلين ؟ فقالت : نعم ، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بها رجل على نعلين " ، والظاهر أن قيمة النعلين تكون أقل من عشرة دراهم ، فإن مثل هذا الرجل والمرأة اللذين لا يكون تزوجهما إلا على النعلين يكونان في غاية الفقر ، ونعل هذا الإنسان يكون قليل القيمة جدا ، ومنها ما روي عن أن امرأة جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " ، ومنها ما روي في قصة الواهبة أنه عليه الصلاة والسلام قال لمن أراد التزوج بها : " من أعطى امرأة في نكاح كف دقيق أو سويق أو طعام فقد استحل " وذلك لا يساوي عشرة دراهم . التمس ولو خاتما من حديد