الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا )

                                                                                                                                                                                                                                            في الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أنه يمكن تفسير الآية بحيث يكون الوالدان والأقربون وراثا ، ويمكن أيضا بحيث يكونان موروثا عنهما .

                                                                                                                                                                                                                                            أما الأول : فهو أن قوله : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك ) أي : ولكل واحد جعلنا ورثة في تركته ، ثم كأنه قيل : ومن هؤلاء الورثة ؟ فقيل : هم الوالدان والأقربون ، وعلى هذا الوجه لا بد من الوقف عند قوله : ( مما ترك ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الثاني : ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون الكلام على التقديم والتأخير ، والتقدير : ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي ، أي : ورثة ، و ( جعلنا ) في هذين الوجهين لا يتعدى إلى مفعولين ؛ لأن معنى ( جعلنا ) خلقنا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون التقدير : ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، فقوله : ( موالي ) على هذا القول يكون صفة والموصوف يكون محذوفا ، والراجع إلى قوله : ( ولكل ) محذوفا ، والخبر وهو قوله : ( نصيب ) محذوف أيضا ، وعلى هذا التقدير يكون ( جعلنا ) متعديا إلى مفعولين ، والوجهان الأولان أولى ؛ لكثرة الإضمار في هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لفظ مشترك بين معان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : المعتق ؛ لأنه ولي نعمته في عتقه ؛ ولذلك يسمى مولى النعمة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : العبد المعتق ، لاتصال ولاية مولاه في إنعامه عليه ، وهذا كما يسمى الطالب غريما ؛ لأن له اللزوم والمطالبة بحقه ، ويسمى المطلوب غريما لكون الدين لازما له .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : الحليف ؛ لأن المحالف يلي أمره بعقد اليمين .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : ابن العم ؛ لأنه يليه بالنصرة للقرابة التي بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : المولى الولي ؛ لأنه يليه بالنصرة ، قال تعالى : ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا ) [ ص: 69 ] ( مولى لهم ) [ محمد : 11 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : العصبة ، وهو المراد به في هذه الآية ؛ لأنه لا يليق بهذه الآية إلا هذا المعنى ، ويؤكده ما روى أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أولى بالمؤمنين ، من مات وترك مالا فماله للموالي العصبة ، ومن ترك كلا فأنا وليه " وقال - عليه الصلاة والسلام - : " اقسموا هذا المال ، فما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر " .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية